حكم تارك الصلاة من الكتاب والسنة
الحمد لله
إن هذه المسألة من مسائل العلم الكبرى، وقد تنازع فيها أهل العلم سلفاً وخلفاً، فقال الإمام أحمد بن حنبل: "تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، يقتل إذا لم يتب ويصل"
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: "فاسق ولا يكفَّر"
ثم اختلفوا فقال مالك والشافعي: "يقتل حداً" وقال أبو حنيفة: "يعزر ولا يقتل"
وإذا كانت هذه المسألة من مسائل النزاع، فالواجب ردها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه) (الشورى10)وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء59)
وإذا رددنا هذا النزاع إلى الكتاب والسنة ، وجدنا أن الكتاب والسنة كلاهما يدل على كفر تارك الصلاة ، الكفر الأكبر المخرج عن الملة
أولاً: من الكتاب
قال تعالى في سورة التوبة11
(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين)
وقال في سورة مريم
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً)
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً)
(مريم: 59-60)
فوجه الدلالة من الآية الثانية – آية سورة مريم – أن الله قال في المضيعين للصلاة ، المتبعين للشهوات (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ) فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات غير مؤمنين
ووجه الدلالة من الآية الأولى – آية سورة التوبة – أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا
- أن يقيموا الصلاة - والأخوّة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية ، فلا تنتفي بالفسوق والكفر دون الكفر
ثانياً : من السنة
1- قال صلى الله عليه وسلم "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "(3)
2- وعن بريده بن الحصيب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يقول : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر"(4)
فإن قال قائل : ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحداً لوجوبها ؟
قلنا : لا يجوز ذلك , فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود ورتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة ، دون الإقرار بوجوبها
فلم يقل الله تعالى : فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة أوالعهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة ، فمن جحد وجوبها فقد كفر
فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك
فلوا صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط ، وأركان ، وواجبات ، ومستحبات ، لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه لكان كافراً مع أنه لم يتركها
فتبين بذلك أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها غير صحيح ، وأن الحق أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تتركوا الصلاة عمداً ، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة"
============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من كتاب : حكم تارك الصلاة
-------------------
(3) رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ، رقم (82) .
(4) رواه أحمد (5/346) والترمذي، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2621) وقال : حديث حسن صحيح غريب . والنسائي ، كتاب الصلاة ، باب الحكم في تارك الصلاة رقم (463) وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة رقم (1079)