التسخط من المصائب والكوارث
الحمد لله
فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره وأن يعلم أن ما أصابه لم يمكن يخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر
والمصائب على نوعين النوع الأول أن تكون تكفيرا لسيئات وقعت من المرء وإصلاحاً لحاله كما في قوله تبارك وتعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
وقوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
وقوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).
والنوع الثاني أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء ولكن لزيادة رفعة في درجاته وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال:
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره وأن لا يتسخط لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء وأنظر إلى الكرم والفضل أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب
قال بعض أهل العلم : وللناس في المصائب مقامات أربع التسخط والصبر والرضا والشكر
أما التسخط فحرام سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح
فالتسخط في القلب أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة وأنه ليس أهلا لأن يصاب وهذا على خطر عظيم
وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل واثبوراه واانقطاع ظهراه وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله
وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور ولطم الخدود وشق الجيوب
فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه
المقام الثاني مقام الصبر وهو حبس النفس عن التسخط وهو ثقيل على النفس لكنه واجب لأنه إذا لم يصبر تسخط والتسخط من كبائر الذنوب فيكون الصبر واجباً
المقام الثالث هو الرضا يعني يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضاً تاماً وقد اختلف العلماء في وجوبه والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة لأنه متضمن للصبر وزيادة والفرق بين الصبر والرضا أن المرء يكون في الصبر كارها لما وقع لا يحب أنه وقع لكنه قد حبس نفسه عن التسخط وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله لأنه راضي رضا تاما عن فعل الله فهو يقول أنا عبده وهو ربي إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضى والصبر فالأحوال عنده متساوية وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر وهو أن يقول إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثوابا لا عقابا فيتساوى عنده الألم والثواب
المقام الرابع مقام الشكر أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون
مثاله رجل أصيب رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله هذه مصيبة فيتأمل وينظر ويقول أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة في الفخذ دون الظهر ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ وهلم جرا
إذن فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات الأول التسخط وهو حرام ومن كبائر الذنوب والثاني الصبر وهو واجب والثالث الرضى وهو سنة مستحب والرابع الشكر وهو أعلى المقامات.والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
=============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى