تفسير: فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق

‏‏‏ {‏فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا 
قد يظن الظان أن معنى ‏{‏لا أُقْسِمُ‏}‏ نفي، وليس كذلك بل هو إثبات و‏{‏لا‏}‏ هنا جيء بها للتنبيه 
فإن قال قائل‏:‏ لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم‏؟‏ وكذلك يقسم صلى الله عليه وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم‏؟‏ قلنا‏:‏ إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن الكريم نزل باللسان العربي وإذا كان من عادتهم أنهم يؤكدون الكلام بالقسم صار هذا الأسلوب جاريًا على اللسان العربي الذي نزل به القرآن‏
 
‏ وقوله‏:‏ ‏{‏بِالشَّفَقِ‏}‏ الشفق هو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس‏.‏ وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء 
 {‏وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ‏}‏ وهذان قسمان ‏{‏وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ‏}‏ الليل معروف ‏{‏وَمَا وَسَقَ‏}‏ أي ما جمع، لأن الليل يجمع الوحوش والهوام وما أشبه ذلك، تجتمع وتخرج وتبرز من جحورها وبيوتها، وكذلك ربما يشير إلى اجتماع الناس بعضهم إلى بعض‏.‏ 
{‏وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ‏}‏ القمر معروف‏.‏ ومعنى ‏{‏إِذَا اتَّسَقَ‏}‏ يعني إذا جتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار‏.‏ فأقسم الله عز وجل بـ ‏{‏اللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ‏}‏ أي ما جمع‏.‏ وبالقمر لأنه آية الليل 
 
 ثم قال بعد ذلك‏:‏ ‏{‏لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ‏}‏ والخطاب هنا لجميع الناس، أي لتركبن حالًا عن حال، وهو يعني أن الأحوال تتغير فيشمل أحوال الزمان، وأحوال المكان، وأحوال الأبدان، وأحوال القلوب‏‏ 
 
الأول‏:‏ أحوال الزمان تتنقل ‏{‏وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ‏}‏ ‏‏.‏ فيوم يكون فيه السرور والانشراح وانبساط النفس، ويوم آخر يكون بالعكس، حتى إن الإنسان ليشعر بهذا من غير أن يكون هناك سبب معلوم،لكن هكذا لابد أن الإنسان يركب طبقًا عن طبق‏
 
‏ الثاني‏:‏ الأمكنة ينزل الإنسان هذا اليوم منزلًا، وفي اليوم التالي منزلًا آخر، وثالثًا ورابعًا إلى أن تنتهي به المنازل في الاخرة، وما قبل الاخرة وهي القبور هي منازل مؤقتة‏.‏ القبور ليست هي آخر المنازل بل هي مرحلة‏.‏ وما نقرؤه في الجرائد ‏"‏فلان توفي ثم نقلوه إلى مثواه الأخير‏"‏ أن هذه الكلمة غلط كبير ومدلولها كفر بالله عز وجل كفر باليوم الآخر، لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير فهذا يعني أنه ليس بعده شيء، والذي يرى أن القبر هو المثوى الأخير وليس بعده مثوى، كافر، فالمثوى الأخير إما جنة وإما نار‏
 
‏ الثالث‏:‏ الأبدان يركب الإنسان فيها طبقًا عن طبق واستمع إلى قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 54‏]‏‏.‏ أول ما يخلق الإنسان طفلًا صغيرًا ضعيفًا، ثم لايزال يقوى رويدًا رويدًا حتى يكون شابًا جلدًا قويًا، ثم إذا استكمل القوة عاد فرجع إلى الضعف، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة‏
 
‏ الرابع‏:‏ حال القلوب وما أدراك ما أحوال القلوب‏؟‏‏!‏ أحوال القلوب هي النعمة وهي النقمة،  فالقلوب لها أحوال عجيبة، تارة يتعلق القلب بالدنيا، وتارة يكون مع الله عز وجل هذه أحوال القلوب وأحوال القلوب هي أعظم الأحوال الأربع، ولهذا يجب علينا جميعًا أن نراجع قلوبنا كل ساعة كل لحظة
 
=*=*=*=*=*=*= 
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من تفسير سورة الانشقاق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر