وقفة مع قوله تعالى:ويلً للمطففين

الحمد لله
﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين ١]
إنَّ الله ابتدأ هذه السورة بكلمة ﴿وَيْلٌ﴾، و﴿وَيْلٌ﴾ تكرَّرت في القرآن كثيرًا، وهي على الأصح كلمةُ وعيدٍ يتوعَّد الله سبحانه وتعالى بها مَن خالَف أَمْرَه أو ارتكبَ نهيَه ,فهنا يقول عز وجل: 
 ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾، فمَن هؤلاء المطفِّفون؟ 
 
هؤلاء المطفِّفون فسَّرتهم الآيات التي بعدها، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين2-3].
﴿إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ﴾ يعني: اشتروا منهم ما يُكال، استوفوا منهم الحقَّ كاملًا بدون نَقْص.
﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ﴾ يعني: إذا كالوا لهم؛ بأن كانوا هم الذين باعوا الطعام كيلًا، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئًا وزنًا إذا وَزَنوا للناس نقصوا؛ ﴿يُخْسِرُونَ﴾ 
 فهؤلاء -والعياذ بالله- يستوفون حقَّهم كاملًا وينقصون حقَّ غيرهم، فجمعوا بين الأمرين؛ بين الشُّحِّ والبخل؛ الشُّح في طلب حقِّهم كاملًا بدون مراعاةٍ أو مسامحة، والبخل بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن. 

وهذا المثال الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن هو في الحقيقة مثال، فيُقاس عليه كلُّ ما أشبه، كلُّ مَن طلب حقَّه كاملًا مِمَّن هو عليه ومنعَ الحقَّ الذي عليه فإنه داخلٌ في الآية الكريمة؛ فمثلًا الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقَّه كاملًا ولا يتهاون في شيءٍ من حقِّه، لكنَّه عند أداء حقِّها يتهاون ولا يعطيها الذي لها . نقول: هذا مطفِّف
 
كذلك أيضًا نجد بعضَ الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقِّه على التمام لكنَّه مفرِّطٌ في حقِّهم، فيريد من أولاده أن يبرُّوه ويقوموا بحقِّه؛ أن يبرُّوه في المال وفي البَدَن وفي كلِّ شيءٍ يكون به البر، لكنَّه هو مضيِّعٌ لهؤلاء الأولاد، غيرُ قائمٍ بما يجب عليه نحوهم، نقول: هذا مطفِّف.
هذا الأب الذي أراد من أولاده أن يبرُّوه تمام البرِّ وهو مقصِّر في حقِّهم نقول: إنك مطفِّف  
 
إنَّ ظُلم الناسِ أشدُّ من ظُلم الإنسان نفسَه في حقِّ الله؛ لأنَّ ظُلم الإنسان نفسَه في حقِّ الله تحت المشيئة إذا كان دون الشرك؛ إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميِّين ليس داخلًا تحت المشيئة، لا بدَّ أن يُوفَى 
*********
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصرمن تفسير سورة المطففين 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر