تفسير : فلا يغررك تقلبهم في البلاد

الحمد لله
قَوْلُهُ تَعالى:{ فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهم في البِلادِ} [غافر٤]
نَهى اللَّهُ جَلَّ وعَلا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم  في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، لِيَشْرَعَ لِأُمَّتِهِ عَنْ أنْ يَغُرَّهُ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في بِلادِ اللَّهِ، بِالتِّجاراتِ والأرْباحِ، والعافِيَةِ وسَعَةِ الرِّزْقِ، كَما كانَتْ قُرَيْشٌ تَفِيضُ عَلَيْها الأمْوالُ مِن أرْباحِ التِّجاراتِ، وغَيْرِها مِن رِحْلَةِ الشِّتاءِ والصَّيْفِ المَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ [قريش: ٢] أيْ: إلى اليَمَنِ والشّامِ وهم مَعَ ذَلِكَ كَفَرَةٌ فَجَرَةٌ، يُكَذِّبُونَ نَبِيَّ اللَّهِ ويُعادُونَهُ.

والمَعْنى: لا تَغْتَرَّ بِإنْعامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَقَلُّبِهِمْ في بِلادِهِ في إنْعامٍ وعافِيَةٍ؛ فَإنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا يَسْتَدْرِجُهم بِذَلِكَ الإنْعامِ، فَيُمَتِّعُهم بِهِ قَلِيلًا، ثُمَّ يُهْلِكُهم فَيَجْعَلُ مَصِيرَهم إلى النّارِ.

وَقَدْ أوْضَحَ هَذا المَعْنى في آياتٍ مِن كِتابِهِ
• كَقَوْلِهِ تَعالى: { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ ﴿ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ﴾
[آل عمران: ١٩٦ - ١٩٧] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: {وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنا مَرْجِعُهم فَنُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ ﴿نُمَتِّعُهم قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهم إلى عَذابٍ غَلِيظٍ﴾
[لقمان: ٢٣ - ٢٤]
• وقَوْلِهِ تَعالى:{ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أضْطَرُّهُ إلى عَذابِ النّارِ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾[البقرة:٢٦]
• وقَوْلِهِ تَعالى:{قُلْ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ في الدُّنْيا ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُهم ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٦٩ - ٧٠]
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.

والفاءُ في قَوْلِهِ: فَلا يَغْرُرْكَ، سَبَبِيَّةٌ أيْ: لا يُمْكِنُ تَقَلُّبُهم في بِلادِ اللَّهِ. مُتَنَعِّمِينَ بِالأمْوالِ والأرْزاقِ، سَبَبًا لِاغْتِرارِكَ بِهِمْ، فَتَظُنُّ بِهِمْ ظَنًّا حَسَنًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ التَّنَعُّمَ، تَنَعُّمُ اسْتِدْراجٍ، وهو زائِلٌ عَنْ قَرِيبٍ، وهم صائِرُونَ إلى الهَلاكِ والعَذابِ الدّائِمِ.
*********
سماحة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
من كتاب :أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر