حديث: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه

الحمد لله 
عَنِ الزُّبيرِ بنِ عَدِيٍّ قال: أتَيْنا أنسَ بنَ مالكٍ - رضي اللهُ عنه - فشَكوْنا إليه ما نَلْقَى مِنَ الحجَّاجِ. فقَالَ:  
«اصْبروا فإنَّه لا يأتي عليْكم زَمَانٌ إلَّا والَّذي بعدَه شَرٌّ مِنْه حتَّى تلْقَوا ربَّكُم» 
سَمعْتُه مِنْ نبِيِّكُمْ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ. رَواه البُّخاريُّ.

قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -:
قال المؤلف - رحمه الله - فيما نقله عن الزبير بن عدي؛ أنهم أتوا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه؛ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد عُمِّر، وبقى إلى حوالي تسعين سنة من الهجرة النبوية، وكان قد أدرك وقته شيءٌ من الفتن، فجاءوا يشكون إليه ما يجدون من الحجاج بن يوسف الثقفي؛ أحد الأمراء لخلفاء بني أمية، وكان معروفًا بالظلم وسفك الدماء، وكان جبارًا عنيدًا والعياذ بالله.

وهو الذي حاصر مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وجعل يرمي الكعبة بالمنجنيق؛ حتى هدمها أو هدم شيئًا منها، وكان قد آذى الناس، فجاءوا يشكون إلى أنس بن مالك رضي الله عنه، فقال لهم أنس رضي الله عنه: «اصبروا»؛ أمرهم بالصبر على جور ولاة الأمور، وذلك لأن ولاة الأمور قد يسلطون على الناس؛ بسبب ظلم الناس، كما قال تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129].

فإذا رأيت ولاة الأمور قد ظلموا الناس في أموالهم، أو في أبدانهم، أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، أو ما أشبه ذلك؛ ففكر في حال الناس؛ تجد أن البلاء أساسه من الناس، هم الذين انحرفوا؛ فسَلَّط الله عليهم من سَلَّطَ من ولاة الأمور
ويُذكر أن بعض خلفاء بني أمية - وأظنه عبد الملك بن مروان - جمع وجهاء الناس؛ لما سمع أن الناس يتكلمون في الولاية، جمع الوجهاء وقال لهم: أيها الناس، أتريدون أن نكون لكم كما كان أبو بكر وعمر؟
قالوا: بلى نريد ذلك، قال: كونوا كالرجال الذين توَلَّى عليهم أبو بكر وعمر؛ لنكون لكم كأبي بكر وعمر، يعني أن الناس على دين ملوكهم، فإذا ظلم ولاة الأمور الناس؛ فإنَّه غالبًا يكون بسبب أعمال الناس.

ولهذا قال أنس: اصبروا، هذا هو الواجب، الواجب أن يصبر الإنسان، ولكل كربة فرجة، لا تظن أن الأمور تأتي بكل سهولة، الشر ربما يأتي بغتة ويأتي هجمة، ولكنه لن يدال على الخير أبدًا، ولكن علينا أن نصبر، وأن نعالج الأمور بحكمة، لا نستسلم ولا نتهور، نعالج الأمور بحكمة وصبر وتأنٍ، إن كنت تريد الفلاح فهذه أسبابه وهذه طرقه؛ أربعة أشياء: 
 ﴿ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.آل عمران200

وفي هذا الحديث وجوب الصبر على ولاة الأمور وإن ظَلموا وجاروا، لأنَّك سوف تقف معهم موقفًا تكون أنت وإياهم على حدٍّ سواء؛ عند ملك الملوك، سوف تكون خصمهم يوم القيامة إذا ظلموك، لا تظنَّ أن ما يكون في الدنيا من الظلم سيذهب هباءً أبدًا، حقُّ المخلوق لابدَّ أن يؤخذ يوم القيامة؛ فأنت سوف تقف معهم بين يدي الله - عزَّ وجلَّ - ليقضي بينكم بالعدل، فاصبر وانتظر الفرج، فيحصل لك بذلك اطمئنان النفس والثبات، وانتظار الفرج عبادة، تتعبَّدُ لله به، وإذا انتظرت الفرج من الله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلَمْ أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرَجَ مع الكرب، وأن مع العُسْرِ يسرًا».
نسأل الله أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وشعوبهم؛ إنه جواد كريم.
*********************
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله 
 مختصر من «شرح رياض الصالحين» (2 /34 - 40) 
https://www.alukah.net/sharia/0/138990/

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر