شرح حديث: أما ابن عمي فهتك عرضي

الحمد لله 
مختصر الحديث 
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَنِيَّةَ الْعِقَابِ ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ عَمِّكَ، وَابْنُ عَمَّتِكَ، وَصِهْرُكِ.
فَقَالَ:   لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، "أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي، قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ" .
فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ، وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأَذْنَنَّ رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا - ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْا فَدَخَلَا وَأَسْلَمَا  [1]  

شرح الحديث   
الواجب على المسلم أن يفهم ألفاظ الأحاديث النبوية وفق المعاني المتعارف عليها في زمن النبوة، وليس وفق المعاني التي تعارف عليها الناس بعد ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ومن لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ، ويخاطبهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعادتهم في الكلام؛ وإلا حرف الكلم عن مواضعه، فإن كثيرا من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم في الألفاظ ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله أو رسوله أو الصحابة، فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ، ما يريده بذلك أهل عادته واصطلاحه، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك. " انتهى من "مجموع الفتاوى"

وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم ومن هذا النوع عبارة: "هتك العرض"، ففي عصرنا غلب على وسائل الإعلام والكتّاب، الإشارة إلى الفاحشة بـعبارة "هتك العرض"، وهذا معنى تعارف عليه أهل عصرنا، فلا يصح أن نفسِّر الحديث النبوي على هذا المعنى  المعاصر، بل نفسره على المعنى الذي كان متعارفا عليه في عصر النبوة، 
 فلا يعرف في عصرهم استعمال "هتك العرض" للإشارة إلى الفاحشة، بل يقصدون بها ما تدل عليه اللغة. 

و "الهتك" لغة: التمزيق والشق للشيء وجذبه حتى يظهر ما وراءه.
جاء في قاموس "تاج العروس" (5 / 359):
"و المَغْثُ: (هَتْكُ العِرْضِ) ولَطْخُه، يُقَال: مَغَثْت عِرضَه بالشَّتْم" انتهى. 
فيحصل هذا الهتك بالشتم أو الهجاء ونحوه.فلو اتهم إنسان إنسانا بالبخل وهجاه بذلك، فإنه يقال فيه :"هتك عرضه"  
أي: أساء إلى حسبه وشرفه، و"هتك العرض" في الحديث هو بهذا المعنى: أي الشتم والهجاء. 

وكان أبو سفيان ممن يؤذي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويهجوه ويؤذي المسلمين، وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت في قصيدته المشهورة:
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند اللَّه في ذاك الجزاء  

 أما مغايرة النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة الإخبار عنهما، حيث قال:
 أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي، قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ .
فسببه أن ابن عمته عبد الله بن أبي أمية، كان قوله الذي قاله ليس من باب الهجاء، وإنما من باب المعاندة لدعوة الإسلام، ورفض الانقياد له. حيث يروى أنه من الذين نزل فيهم قول الله تعالى:  
 {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } الإسراء/90 - 93.
************ 
مختصر من الإسلام سؤال وجواب   
https://islamqa.info/ar/answers/329407/%D8%B4%D8%B1%D8%AD-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D9%85%D9%8A-%D9%81%D9%87%D8%AA%D9%83-%D8%B9%D8%B1%D8%B6%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D9%85%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%82%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D9%85%D9%83%D8%A9-%D9%85%D8%A7-%D9%82%D8%A7%D9%84
------------------- 
[1] قال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " ووافقه الذهبي.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر