وقفات مع قوله تعالى : إن كنتم تحبون الله فاتٌبعوني يُحببكم الله
الحمد لله
﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾[آل عمران٣١]
قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ هذه الآية يسميها بعض السلف آية المحنة؛ يعني آية الاختبار والامتحان، وذلك أن قومًا ادَّعوا أنهم يحبون الله، فأمر الله نبيه أن يتحداهم بهذا الميزان؛ وهو إن كانوا صادقين فليتبعوا الرسول ﷺ أي واحد يدعي أنه يحب الله فهذا الميزان
كل يدعي أنه يحب الله؛ لأن الدعوى سهلة، لكن الكلام على البينة، البينة على المدعي، إذا كانوا يحبون الله حقًّا فليتبعوا النبي ﷺ لينالوا ما هو أعظم من دعواهم وهو محبة الله لهم، ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه﴾
اتبعوني على ماذا؟ على ما أنا عليه من الشريعة، عقيدة وقولًا، وفعلًا وتركًا،
أربعة، فمن اتبع الرسول ﷺ في هذه الأربع صدق في اتباعه، ومن خالف فهو غير صادق.
عقيدة: بحيث تكون عقيدته على ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا شك، ولا ترديد، إيمان كامل خالٍ من جميع الشوائب
قولًا: لا يزيد ولا ينقص عما جاءت به الشريعة من الأقوال
وفعلًا: كذلك لا يزيد ولا ينقص
وتركًا: بحيث يترك ما لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام، كل ما لم يتعبد به الرسول يجب عليه أن لا يتعبد به
فإن تعبد به ولو أنه يقول: إنه يحب الرسول فإن دعواه؟ كاذبة، إذا تعبد بفعل شيء ترك الرسول التعبد لله به لم يتعبد به لله وقال: والله أنا أحب الرسول، أتعبد لله بهذا الشيء محبة لرسول الله ﷺ، قلنا: دعواك كاذبة، لو كنت تحبه حقًّا لاتبعته حقًّا، في العقيدة والقول والفعل والترك، أما أن تحدث في دينه ما ليس منه فأين محبتك له؟
الحاصل أن الله قال للرسول ﷺ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ -الله أكبر- ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ هذه الثمرة والنتيجة التي يسعى إليها كل إنسان: أن يكون محبوبًا لدي الله سبحانه وتعالى
الثاني: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ الله أكبر- فائدتان عظيمتان: محبة الله لك، ومغفرة ذنوبك.
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أي: كل ما عملتم من الذنوب يغفر لكم، ولكن هل نقول: إنه يغفر وإن لم يستغفر الإنسان منه؛ لأن حسنة الاتباع تمحو هذا الذنب، ومحبة الله للإنسان توجب عدم عقوبته، أو نقول: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ بأن ييسر لكم أسباب المغفرة إن لم يغفر لكم بدون سبب؟
الله أعلم، يحتمل أنه سبحانه وتعالى أراد أنه يغفر الذنوب بسبب هذا الاتباع والمحبة، أو أنه وإن فعل الإنسان ما فعل، فإنه ييسر له أسباب المغفرة بأن يعود من معصية الله إلى طاعته، الله أعلم، لكن على كل حال الوعد هنا محقق وهو مغفرة الذنوب، إما بسبب من العبد، أو لمجرد فضل الله.
***********
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله
من تفسير سورة آل عمران موقع الباحث القراني
https://tafsir.app/3/31