إذا حكمنا بنجاسة ريق الكلب يبقى السؤال عن حكم ما أصاب بفمه من الصيد
السؤال : هل مباح أكل ما اصطدته بنفسي ولكن جاء به كلبي ؟ إن كانت الإجابة نعم ، إذن لماذا القول بأن لعاب الكلب نجس ، فلو كان نجسا ما كان الصيد مباحا .؟
الحمد لله
أولا :حكم الكلب من جهة الطهارة والنجاسة سبق تفصيل الكلام عنه في موقعنا ، في الفتوى رقم : (69840) ، (133869)، وخلاصتها أننا رجحنا نجاسة ريق الكلب ، وطهارة شعره ورطوبته ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة ، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ ، وأيضاً فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث ، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك ، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة
" انتهى باختصار من " مجموع الفتاوى " (21/617-619)
ثانياً : إذا حكمنا بنجاسة ريق الكلب يبقى السؤال عن حكم ما أصاب بفمه من الصيد ، سواء صاده بنفسه ، أم أمسكه للصائد ، لا فرق بين الحالتين ، فكلاب الصيد تستعمل في كلا الأمرين ، ولم يرد في السنة أو لدى الفقهاء التفريق بينهما من حيث الطهارة والنجاسة.
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : وجوب غسل الصيد مكان إمساك الكلب بفمه ، وهو المعتمد في مذهب الشافعية والحنابلة ، كما هو ظاهر مذهب الحنفية ، حيث نصوا على نجاسة سؤر كلب الصيد ، والسؤر يشمل ما تبقى من الشراب والطعام ومن كل شيء.
القول الثاني : لا يجب غسل ما أصاب الكلب بفمه من الصيد ، بل هو مما يعفى عنه
ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .
واستدلوا بظاهر " قول الله عز وجل : " فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ "المائدة/4. قالوا : ولم يأمر بغسله ، مع أنه لا ينفك عنه غالبا أو دائما ، ولهذا لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، مع ذكره للأحاديث الواردة فيه ، مع تكرار سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لعاب الكلب إذا أصاب الصيدَ لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بغسل ذلك ، فقد عُفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة ، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة ، فدلَّ على أنَّ الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجتهم
" انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/620)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم قال : ( إِذا وَلَغَ ) ، ولم يقل : ( إِذا عَضَّ )، فقد يخرج من معدته عند الشرب أشياء لا تخرج عند العضِّ .
ولا شَكَّ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يغسلون اللحم سبع مرات إِحداها بالتُّراب ، ومقتضى ذلك أنه معفوٌّ عنه ، فالله سبحانه هو القادر وهو الخالق وهو المشرِّع ، وإِذا كان معفوًّا عنه شرعاً ، زال ضرره قدراً ، فمثلاً الميتة نجسة ، ومحرَّمة ، وإِذا اضطُرَّ الإِنسان إِلى أكلها صارت حلالاً ، لا ضرر فيها على المضطرِّ.
فالصَّحيح : أنه لا يجب غسل ما أصابه فَمُ الكلب عند صيده لما تقدَّم ؛ لأن صيد الكلب مبنيٌّ على التَّيسير في أصله ؛ وإِلا لجاز أن يُكلِّفَ الله عزّ وجل العباد أن يصيدوها بأنفسهم ؛ لا بالكلاب المعلَّمة ، فالتيسير يشمل حتى هذه الصُّورة ، وهو أنه لا يجب غَسْل ما أصابه فَمُ الكلب ، وأن يكون مما عَفَا الله تعالى عنه
" انتهى من " الشرح الممتع " (1/420) .
والقول الثاني : هو أظهر القولين في المسألة ، لقوة أدلته ، ولما فيه من رفع الحرج والمشقة ، ولكنه لا يستلزم الحكم بطهارة ريق الكلب مطلقا ، حتى لو ولغ في الآنية ، كما يقرره المالكية ، فالحكم السابق خاص في حالة الصيد فقط ، مستثنى من القاعدة العامة في نجاسة لعاب الكلب ، والاستثناء لا يجوز القياس عليه وإلا عاد على الحكم الأصلي بالبطلان ، والحكم الأصلي ثبت بالسنة النبوية الصحيحة في وجوب غسل سؤر الكلب ، فالقول بالعفو عن لعابه في الصيد فيه جمع بين الأدلة كلها ، وإعمال لها كل بحسب حالتها .
فالعفو عن مكان عض الكلب من الصيد : إنما هو من باب التخفيف والتيسير ، لعموم البلوى به، ومشقة التحرز عنه .
^^^^^^^^^^^^^^
مختصر من موقع الإسلام سؤال وجواب
https://islamqa.info/ar/answers/197103/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%86%D8%AC%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%85%D8%B3%D9%83%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A8-%D8%A8%D9%81%D9%85%D9%87