الرد على شبهة تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم
الحمد لله
اختار الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من بين خلقه لحمل آخر الرسالات ، وقد حباه الله من الصفات الحميدة ، والأخلاق الجليلة ما لم يحظ به أحد غيره ، إلا أنه مع ذلك لم يسلم من كيد الكائدين ، ومن كلام المغرضين ، ومن شبهات الحاقدين
ومن الشبهات التي أثيرت حول شخصه الكريم ، أنه ميّال للنساء ، منشغل بهن ، وقد أكثر منهنّ ولا شك أن من يقول هذا لا حظ له من معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم ، وليس له أدنى علم بهديه عليه الصلاة والسلام
ومن يطالع السيرة العطرة سوف يكتشف بسهولة أن بعض هذه الزيجات كان في المقام الأول تلبية لدوافع إنسانية ، والبعض الآخر كان لتأليف القلوب ، وتطييب النفوس ، وتمهيد الأرض للدعوة المباركة بالمصاهرة وجبر الخاطر .. ثم هناك حقه الطبيعي صلى الله عليه وسلم في الزواج ، لأنه بشر ، وليس ملاكا ولنبدأ بأول زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهى
سيدتنا خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها وأرضاها
فقد تزوجت في الجاهلية من هند بن النباش التميمى وكنيته أبو هالة .. وبعد موته تزوجت عتيق بن عابد المخزومى .. ثم مات عنها عتيق .. وكانت من أرفع بيوت قريش وأوسطها نسبا وحسبا . وكان لها مال ترسل رجالا من قومها يتاجرون لها فيه .. ولما سمعت بأمانة محمد عليه السلام أرسلت إليه ليتاجر لها في مالها في رحلة الشام ، على أن تعطيه ضعف ما كانت تعطى غيره من الأجر
ورحل صلى الله عليه وسلم بمالها مع غلامها ميسرة إلى الشام ، فباع واشترى وعاد إلى مكة بأضعاف ما كانت خديجة تربحه من قبل . وحكى لها ميسرة ما كان من معجزاته عليه السلام خلال الرحلة : أظلته غمامة ، وأخبر أحد الرهبان ميسرة بأن رفيقه محمدا سيكون النبي الخاتم الموجود في كتب السابقين , فازدادت إعجابا به ، وأرسلت إليه صديقتها نفيسة بنت أمية تعرض عليه الزواج من خديجة التي كان عمرها في ذلك الوقت أربعين سنة .فوافق عليه السلام ، وكان عمره وقت أن تزوجها خمسا وعشرين سنة
وولدت له السيدة خديجة كل أولاده وبناته باستثناء إبراهيم ولده من مارية القبطية , ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم أخرى حتى ماتت السيدة خديجة عن خمس وستين سنة ، بينما كان عليه السلام قد تخطى الخمسين سنة
والآن نتساءل : إذا كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قد عاش بلا زواج حتى سن الخامسة والعشرين .. ولم يكن أهل مكة يقولون عنه إلا كل الخير ، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين .. وكانت طهارته وعفته مضرب الأمثال – باعتراف أعتى المشركين وأشدهم عداوة له وحقدا عليه ..
وإذا كان تزوج بعد ذلك من السيدة خديجة وهى أكبر منه سنا بخمس عشرة سنة ، وظل مكتفيا بها زوجة وحيدة حتى بعد أن تجاوزت الستين .. فأين ما يزعمون من حبه للشهوات واستكثاره من النساء ؟!!
لقد كان عليه السلام في تلك الفترة في ريعان شبابه ، ولم يكن قد شغل بعد بأعباء الدعوة المباركة ، وتبعاتها الثقيلة ، ولو كان – كما يزعم أعداء الإسلام – من ذوى الشهوة الطاغية لتزوج من شاء من النساء ، وقد كان تعدد الزوجات والجواري شائعا قبل الإسلام بلا قيد أو عدد محدد .. وما كان ذلك عيبا ولا محظورا .. فلماذا لم يفعل صلى الله عليه وسلم ؟!
أليس هذا دليلا على أنه صلى الله عليه وسلم قد عدد زوجاته فيما بعد لأسباب أخرى أسمى وأرفع قدرا من مجرد إشباع الشهوة ، رغم أن هذا الإشباع بالزواج ليس عيبا ولا شائنا للزوج ؟!
ثم هناك نقطة أخرى – قبل أن ننتقل إلى باقي الزوجات – لقد كان عليه السلام يذكر السيدة خديجة بكل الخير والوفاء بعد موتها .. وحتى بعد أن صار له تسع نسوة
كان يغضب إذا أساء أحد إلى ذكراها العطرة ، ولو كانت عائشة أحب زوجاته إليه – ويذكر عليه السلام – في كل مناسبة – معروف خديجة وفضلها عليه وعلى الدعوة الغراء ، ولم ينسها رغم أنها كانت عجوزا ورزق بعدها بزوجات أصغر سنا ، وربما أكثر جمالا ..
كان يغضب إذا أساء أحد إلى ذكراها العطرة ، ولو كانت عائشة أحب زوجاته إليه – ويذكر عليه السلام – في كل مناسبة – معروف خديجة وفضلها عليه وعلى الدعوة الغراء ، ولم ينسها رغم أنها كانت عجوزا ورزق بعدها بزوجات أصغر سنا ، وربما أكثر جمالا ..
هل مثل هذا الزوج يقال عنه إنه يضع الشهوة الجنسية في المقام الأول ؟!! هل يظن مثل هذا الظن المريض بمن وصفه رب العزة بأنه { على خلق عظيم } ؟!
* * *
* * *
ونأتي الآن إلى ظروف زواجه صلى الله عليه وسلم بثانية زوجاته
السيدة سودة بنت زمعة – رضي الله عنها
فقد كانت متزوجة في الجاهلية بالسكران بن عمرو بن عبد شمس ، وهو ابن عمها ، وأسلما بمكة وخرجا مهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية .. ثم قدما من الحبشة ، ومات السكران بمكة ، وترملت زوجته السيدة سودة ، فلما انقضت عدتها أرسل لها النبي صلى الله عليه وسلم فخطبها وتزوجها بمكة ، وهاجرت معه إلى المدينة
وكانت – رضي الله عنها – قد كبرت سنها ، وبعد فترة من زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة ، وقالت كما جاء في إحدى الروايات : يا رسول الله ، والله ما بي حب الرجال – تقصد أنها مسنة وليست بها حاجة إلى الرجال – ولكني أرجو أن أبعث في أزواجك يوم القيامة . وقبل منها النبي صلى الله عليه وسلم تنازلها للسيدة عائشة ، وأبقى عليها زوجة في عصمته حتى موته صلى الله عليه وسلم
فهل يكون اقترانه – عليه الصلاة والسلام – بعجوز أخرى دليلا على ما يذهب إليه أعداء الله ورسوله من أن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم كان للشهوة أو حب النساء ؟!! أو أنها مواساة منه – عليه السلام – لأرملة مسلمة لم يعد لها عائل بعد موت رجلها ، وليس لها مال أو شباب أو جمال يدفع غيره صلى الله عليه وسلم للزواج منها ؟!!
والله .. إن مثل هذه الزيجة التي لا يطمع فيها أحد , ومن سواه يواسى الأرملة المحزونة ؟ من سواه يجبر المكسور ، ويفك الأسير ، ويعين على الشدائد بإذن الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي أرسله ربه رحمة للعالمين ؟!!
* * *
وأما السيدة عائشة بنت الصديق أبى بكر – رضي الله عنهما
فهي الزوجة الثالثة لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم .. ومن الطبيعي أن يرتبط الداعية بالرجال الذين يقوم على أكتافهم البناء الشاهق ، وتنتشر الدعوة بهم ، ومن خلالهم إلى سائر إرجاء المعمورة .. وخير الروابط بين النبي وكبار أصحابه هو الرباط المقدس ( الزواج ) .. ولهذا تزوج عليه السلام من السيدة عائشة ، وكانت صغيرة السن ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها
ومما اشتهرت به عائشة رضي الله عنها غيرتها الشديدة على النبي – صلى الله عليه وسلم - ، التي كانت دليلاً صادقاً وبرهاناً ساطعاً على شدّة محبّتها له ، وقد عبّرت عن ذلك بقولها له : " وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ " رواه مسلم
والحديث عن فضائلها لا يُملّ ولا ينتهي ، فقد كانت رضي الله عنها صوّامة قوّامة ، تُكثر من أفعال البرّ ووجوه الخير ، وقلّما كان يبقى عندها شيءٌ من المال لكثرة بذلها وعطائها ، حتى إنها تصدّقت ذات مرّة بمائة ألف درهم ، لم تُبق منها شيئاً
وقد شهد لها النبي – صلى الله عليه وسلم – بالفضل ، فقال ( فضلُ عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه .
ومن فضائلها قوله - صلى الله عليه وسلم - لها : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، فقالت : وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه
ولصغر سنها كانت ذكيّةً سريعة التعلّم ، ولذلك استوعبت الكثير من علوم النبي - صلى الله عليه وسلم – حتى أصبحت من أكثر النساء روايةً للحديث ، ولا يوجد في نساء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - امرأة أعلم منها بدين الإسلام
ومما يشهد لها بالعلم قول أبي موسى رضي الله عنه : " ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً " رواه الترمذي .
وقال الزُّهري : لو ُجمع علم نساء هذه الأمة ، فيهن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان علم عائشة أكثر من علمهنّ " رواه الطبراني
* * *
كما تزوج أيضا{ لذات سبب زواجه من السيدة عائشه } من
السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما
وهناك سبب ثان لزواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة حفصة ، فقد كانت متزوجة قبله من خنيس بن حذافة السهمي الذي أسلم معها وهاجر بها إلى المدينة فمات عنها ( عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد ) متأثرا بإصابته في الغزوة
وعندما انقضت عدتها عرض عمر على أبى بكر الصديق أن يزوجه ابنته حفصة ، فسكت أبو بكر ، مما أغضب عمر – رضي الله عنهم أجمعين – وكان عمر قد عرضها قبل ذلك على عثمان بن عفان فلم يوافق كذلك ، مما أسخط الفاروق عليه كما سخط على صاحبه ، فجاء عمر يشكوهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وطيب صلى الله عليه وسلم خاطره وتزوجها تكريما لعمر ، كما كرم أبا بكر من قبل وتزوج بابنته عائشة , وكان الباعث لأبى بكر على عدم قبول الزواج من حفصة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها لنفسه ، وما كان الصديق ليفشى سر رسول الله ، أو يتزوج بمن عزم صلى الله عليه وسلم على الزواج منها
وخلال السنين التي عاشتها في كنف النبي صلى الله عليه وسلم ، ذاقت من نبيل شمائله وكريم خصاله ، ما دفعها إلى نقل هذه الصورة الدقيقة من أخلاقه وآدابه ، سواءٌ ما تعلّق منها بهديه وسمته ، ومنطقه وألفاظه ، أو أحوال عبادته ، فنجدها تقول
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر : الإثنين والخميس ، والإثنين من الجمعة الأخرى ، وتقول :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده وقال ( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ) ثلاث مرات
وقد شهد لها جبريل بصلاحها وتقواها ، وقال له : ( إنها صوّامة ، قوّامة ، وهي زوجتك في الجنة ) رواه الحاكم ، و الطبراني ، وحسنه الألباني
أما أعظم مناقبها رضي الله عنها ، فهو اختيارها لتحفظ نسخة المصحف الأولى ، والتي جمعها أبوبكر رضي الله عنه من أيدي الناس بعد أن مات أكثر القرّاء ، وظلت معها حتى خلافة عثمان رضي الله عنه
وعاشت رضي الله عنها تحيي ليلها بالعبادة وتلاوة القرآن والذكر ، حتى أدركتها المنيّة سنة إحدى وأربعين بالمدينة عام الجماعة ، فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين
فهل يكون الزواج في حالة السيدة عائشة والسيدة حفصة استكثارا من النساء ، أو جريا وراء الشهوات ؟!! أم هي ضرورات الدعوة ، وجبر الخاطر ، وتوكيد الروابط بين المصطفى صلى الله عليه وسلم وكبار رجال الدعوة الوليدة والرأفة بزوجة شهيد – مثل حفصة – لم يكن لها من الجمال أو المال ما يغرى غيره عليه السلام بالزواج منها ؟!!
إنه الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة – عليه الصلاة والسلام
* * *
هناك أيضا ظروف زواج الرسول الأمين من
السيدة زينب بنت خزيمة الملقبة بأم المساكين رضي الله عنها
{وصفها بـ" أم المساكين لرعاية الأيتام والأرامل وتعهّدهم ، وتفقّد شؤونهم والإحسان إليهم ، حتى أصبح هذا الوصف ملازما لها إلى يوم الدين } فقد كانت زوجة لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف – رضي الله عنه – الذي استشهد في يوم بدر وتركها وحيدة لا عائل لها
فهل يكون جزاء الصحابي وابن العم الشهيد أن تترك أرملته وحدها ؟!! ومن يصل الرحم ، ويجازى الشهيد ، ويخلفه في أهله بكل البر والخير والرحمة سوى الصادق الأمين خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ؟!!وقد ماتت – رضي الله عنها – بعد زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم بعدة أشهر
وهل مثل هذه الزيجة يكمن خلفها أي مطمع حسي أو غيره ؟! أو أنها واجب وعبء إضافي على عاتق المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟!!
* * *
وكذلك جاء زواجه صلى الله عليه وسلم من
السيدة أم سلمة – رضي الله عنها
هي أم المؤمنين ، هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية القرشية المشهورة بكنيتها أم سلمة ، والدها سيّد من سادات قريشٍ المعدودين ، وهي بنت عم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وبنت عم أبي جهل بن هشام . فهو ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم
كانت أم سلمة رضي الله عنها من الجيل الأوّل الذي أسلم مبكّرا في مكة ، ونالت في ذلك ما ناله المؤمنون من صنوف الأذى وألوان العذاب ، حتى أذن الله للمؤمنين بالهجرة الأولى إلى الحبشة ، لتنطلق هي وزوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي مهاجريْن في سبيل الله ، فارّين بدينهم من أذى قريشٍ واضطهادها ، محتمين بحمى النجاشي الملك العادل
ولما أرادت تلك الأسرة أن تهاجر إلى المدينة ، واجهت الكثير من المصاعب والابتلاءات ، فقد تسامع قومها بنو المغيرة بتأهّبها وزوجها للرحيل فقالوا لزوجها : " هذه نفسك غلبْتنا عليها ، فعلام نتركك تأخذ أم سلمة وتسافر بها ؟ " ، فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوها منه ، فغضب لذلك بنو عبد الأسد قوم زوجها وقالوا : " والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا " ، فتجاذبوا الولد بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد ، وظلّت أم سلمة عند بني المغيرة وانطلق الزوج مهاجراً لوحده
وهكذا تفرّق شمل الأسرة ، وابتليت بلاءً عظيماً ، فالزوج هاجر إلى المدينة ، والزوجة عند أهلها في مكة ، والولد مع أهل أبيه ، مما كان له عظيم الأثر على نفس أم سلمة رضي الله عنها ، فكانت تخرج كل يوم إلى بطحاء مكة تبكي ، وتتألم لما أصابها ، وظلّت على حالها قرابة سنة ، حتى مرّ بها رجل من قومها وهي تبكي ، فرحمها ورقّ لحالها ، فانطلق إلى قومه قائلاً لهم : " ألا تطلقون سبيل هذه المسكينة ؟ فإنكم فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها " ، فأجابوه لذلك وقالوا لها : " الحقي بزوجك إن شئت
وفي غزوة أحد أُصيب زوجها بجرح عميق ، وبعد شهور تُوفي رضي الله عنه متأثراً بجرحه ، وهذا ابتلاء آخر يصيب أم سلمة ، بعد رحيل زوجها من الدنيا تاركاً وراءه أربعة من الأولاد هم: برة وسلمة ، وعمر، ودرة ، فأشفق عليها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكرالصديق - رضي الله عنه- فخطبها ، إلا أنها لم تقبل ، وصبرت مع أبنائها
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في أمر تلك المرأة الكريمة ، المؤمنة الصادقة ، الوفية الصابرة ، فتقدم لها وتزوجها مكافأة ومواساة لها ، ورعاية لأبنائها
تقول أم سلمة رضي الله عنها : أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت: إني كبيرة السنّ ، وأنا غيور-أي تغار من ضرائرها من النساء - وذات عيال ، فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أكبر منك ، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله ورسوله ) رواه مسلم
فتزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة
وقد أخذت أم سلمة حظّاً وافراً من أنوار النبوّة وعلومها ، حتى غدت ممن يُشار إليها بالبنان فقها وعلماً ، بل كان الصحابة يفدون إليها ويستفتونها في العديد من المسائل ، ويحتكمون إليها عند الاختلاف
وأخيرا جاءت هذه الزيجة تكريما للزوج أبى سلمة نفسه بعه استشهاده ، برعاية أرملته وأطفاله ، وصلة لرحمه ، فهو ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم .. فأين اتباع الشهوة في مثل هذا الارتباط بأرملة تجاوزت الخمسين وذات أطفال ؟!!
* * *
وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة
أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان بن حرب – رضي الله عنها
فله قصة توضح الهدف منه ، والمقصد النبيل الذي تحقق به .. فقد كانت أم حبيبة زوجة لعبيد الله بن جحش بن خزيمة ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية .. وهناك فتن عبيد الله وارتد عن الإسلام – والعياذ بالله – وثبتت السيدة أم حبيبة – رضي الله عنها – على دينها رغم الغربة والوحشة والوحدة
ولم تكن تستطيع الرجوع إلى مكة حيث كان أبوها أبو سفيان أحد زعماء قريش يضطهد الرسول وأصحابه أشد الاضطهاد ، فلو رجعت أم حبيبة لتعرضت للفتنة في دينها بدورها , وكان لا بد من تكريمها وتعويضها عن الزوج الذي ارتد ، ثم مات بالحبشة
وهكذا أرسل جابر صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة – وكان قد أسلم – طالبا منه أن يعقد له على أم حبيبة , وبالفعل زوجه النجاشي إياها ، وأرسلها إليه بالمدينة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم معززة مكرمة
ولما بلغ أبا سفيان خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته أم حبيبة شعر بالسعادة ، وقال عن زوج ابنته مبتهجا ، والذي كان ما يزال عدوا له ولدينه : (( هو الفحل لا يقرع أنفه )) أي أن مثل النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد صهره ، فهو كفء كريم تفخر كل قبيلة بمصاهرته وتزويجه بناتها
قال أبو سفيان بن حرب ذلك على الرغم من أنه كان ما يزال مشركا عدوا للإسلام ، ولكنه لا يخدع نفسه كأب تزوجت ابنته بأعظم وأشرف الرجال
وشاء الله جل وعلا أن تدور الأيام ، ويأتي أبو سفيان إلى المدينة محاولا إثناء النبي صلى الله عليه وسلم عن غزو مكة بعد أن نقض المشركين عهودهم معه ، واعتدوا على حلفائه من قبيلة خزاعة ، وقتلوهم في البلد الحرام في الشهر الحرام
ولم يجد أبو سفيان ملجأ بعد أن رفض كبار الصحابة التوسط له عند النبي صلى الله عليه وسلم سوى بيت ابنته وفوجئ أبو سفيان بابنته تطوى عنه الفراش في ضيق واشمئزاز .. فسألها : والله يا بنية ما أدرى هل رغبت بالفراش عنى أم رغبت بي عنه ؟!! فردت عليه بحسم : (( بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك ))
يا الله .. إنها العقيدة الراسخة كالجبال في قلب زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، تواجه بها أباها الذي خرجت من صلبه .. وذلك هو الإيمان الحق الذي يجعل الله ورسوله أحب إلى المسلم الصادق من أمه وأبيه وابنه وأخيه
هل كان من المطلوب من الرسول أن يترك مثل هذه السيدة العظيمة للضياع بين زوج مرتد وأب كان كافراً ؟!! ومن سواه صلى الله عليه وسلم أولى بأن يكرم مثواها ، ويجزيها على ثباتها وصبرها وجهادها في سبيل عقيدتها ورسالتها ؟!! ومن يكون مناسبا لابنة سيد قريش سوى سيد الأولين والآخرين ؟!!
* * *
ونأتي إلى قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من
السيدة زينب بنت جحش الأسدى – رضي الله عنها
وهى ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .. أي أنها من أعرق وأشرف بيوت قريش وأرفعها نسبا وأما
السيدة زينب بنت جحش الأسدى – رضي الله عنها
وهى ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .. أي أنها من أعرق وأشرف بيوت قريش وأرفعها نسبا وأما
تزوجها زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم , كان زيد – رضي الله عنه – عبدا في الجاهلية ، وانتهي به المطاف عند الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم الذي أكرم مثواه ، وبلغ من تأثير عطفه وحنانه على زيد أن فضله زيد على أبيه وعمه ( لما خيره بين البقاء معه أو اللحاق بأبيه وعمه عندما عثرا عليه ، وجاءا من ديارهما في طلبه .. وهنا أشهدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن زيد ابني أرثه ويرثني ... وذلك قبل تحريم التبني ) فرضي أبوه الصلبى بذلك
وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعتق زيدا وتبناه ، ثم أبطل الإسلام التبني فاسترد زيد اسمه الأول وحريته من قبل , الا ان ظلت زينب تستعصي على زيد ، وتشمخ عليه بنسبها وحسبها ، حتى ضاق – رضي الله عنه – بها ذرعا ، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في تطليقها لاستحالة العشرة بينهما ، فأمره النبي أن يتقى الله ويمسك عليه زوجه فلا يطلقها
في ذلك الوقت أطلع الله تعالى رسوله على ما سوف يحدث ، وهو أن زيد سيطلق زينب ، ثم يزوجها الله من رسوله الأمين ، ليهدم بذلك قاعدة التبني التي سادت في الجاهلية ، إذ الأعدل والأصوب هو أن يدعى كل ابن لأبيه الحقيقي ، وليس لذلك الذي تبناه .. وإذا كان الإسلام يحرم إلى الأبد زواج الأب من امرأة ابنه ، فالأمر ليس كذلك في حالة الابن بالتبني إذ هو ليس ابنا حقيقيا ، وما ينبغي أن يكون
ونزل قول الله تعالى : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا }
روى على بن الحسين (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى إليه أن زيدا سوف يطلق زينب ، وأن الله سيزوج رسوله إياها .. فلما شكا زيد للنبي صلى الله عليه وسلم ما يلقى من أذى زوجته ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية ( اتق الله وأمسك عليك زوجك
وهو صلى الله عليه وسلم يعلم أنه سيفارقها ، ثم يتزوجها هو من بعده ، وهذا ( العلم ) هو ما أخفاه صلى الله عليه وسلم في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بطلاقها .. فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من خشية الناس في شيء قد أباحه الله له ، وقوله لزيد (( أمسك عليك زوجك )) ، مع علمه بأنه يطلقها ، وأعلمه سبحانه أن الله أحق بالخشية في كل حال
والخلاصة أنه عليه الصلاة والسلام تزوج السيدة زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة بأمر من الله الذي تولى سبحانه تزويجها له مباشرة ، ليهدم بذلك قاعدة التبني إلى الأبد ، وحتى لا يكون هناك حرج على الآباء في الزواج من مطلقات الأدعياء ، لأنهم ليسوا أبناءهم
وقد كانت السيدة زينب ابنة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وربيت تحت رعايته ، ولو كان له فيها مأرب لتزوجها منذ البداية ، ولم يزوجها بنفسه لزيد من قبل ..
والذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه تأذيه من هذا الزواج المفروض ، وتراخيه في تنفيذ أمر الله به ، وخوفه من كلام الناس عندما يجدون نظام التبني – كما ألفوه – قد انهار .
وقد أفهم الله رسوله أن أمره سبحانه لا يجوز أن يعطله توهم شيء ما ، وأنه – إزاء التكليف الأعلى – لا مفر له من السمع والطاعة ، شأن من سبقه من المرسلين
* * *
أما السيدة صفية بنت حيى بن أخطب - رضى الله عنها
زعيم اليهود ، أبوها سيد بني النضير ، من سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، ثم من ولد هارون بن عمران ، أخي موسى عليه السلام ، وأمها هي برة بنت سموءل من بني قريظة .الأسر بعد فتح خيبر ، وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا في المعركة وقد وقعت في الأسر
ورفقا ورحمة بها خيرها الرسول صلى الله عليه وسلم بين إطلاق سراحها وإلحاقها بقومها إن أرادت البقاء على يهوديتها ، وبين الزواج منه إن أسلمت ، فقالت له : (( يا رسول الله ، لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني ، فالله ورسوله أحب إلى من العتق ومن الرجوع إلى قومي
فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجعل تحريرها من الأسر هو مهرها
وكان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها ، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها ، ويضاف إلى ذلك إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفّف عداءهم ، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها
* * *
وذات الأمر كان دافعا للنبي صلى الله عليه وسلم للزواج من
السيدة جويرية بنت الحارث بن ضرار -رضي الله عنها
أبوها زعيم بنى المصطلق .. فقد حارب أبوها المسلمين ، ولحقت به هزيمة منكرة كادت تتسبب في فناء قبيلته أو إذلالهم أبد الدهر .. فقد سقط المئات من بنى المصطلق أسرى ، ومنهم السيدة جويرية بنت الحارث
وجاءت إليه فقالت (( يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه .. وقد أصابني من الأمر ما قد علمت [ تقصد الأسر والذل ] فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق ، فأعنى في فكاكي [ تطلب معاونته صلى الله عليه وسلم في دفع المتفق عليه لتحريرها من الأسر ]
فقال لها صلى الله عليه وسلم : أو خير من ذلك ؟ فسألته : ما هو ؟ فقال صلى الله عليه وسلم أؤدي عنك كتابك وأتزوجك ..فقالت : نعم يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم (( قد فعلت ))
وخرج الخبر إلى الصحابة فقالوا : أصهار رسول الله – يقصدون بنى المصطلق – في الأسر فجعل الناس يطلقون سراح من عندهم من أسرى بنى المصطلق ، حتى تحرروا جميعا
تقول السيدة عائشة – رضي الله عنها – (( أعتق بتزويج جويرية من النبي أهل مائة بيت ، فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها وقد أسلم قومها جميعا بعد ذلك وحسن إسلامهم
وهكذا كانت هذه الزيجة بركة وخيرا للإسلام والمسلمين من كل الوجوه ، ولم تكن للاستكثار من النساء كما يظن الجهلة ويشيع المنافقون و المستشرقون !!
ولو كان الأمر حبا للنساء استكثاراً من الحسناوات لما نزل بعد ذلك أمر من الله له يحظر عليه الزواج بعد من ذكرنا ، ولظل الرسول صلى الله عليه وسلم حرا يتزوج من شاء ، ويطلق من لا يريد .. ومات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات ( وكانت السيدتان خديجة وزينب بنت خزيمة قد توفيتا في حياته ) وكان لهن نعم الزوج والعشير .. وصدق فيه قول رب العزة : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }
===========
المصدر
من كتاب الرحيق المختوم
من مقالات الشبكة الإسلامية
من مقالات طريق الإسلام