تفسير سورة الجن من الآية1 الى الآية 19
بسم الله الرحمن الرحيم
1-{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا
2- يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}
2- يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}
أي: {قُل} يا أيها الرسول للناس {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} صرفهم الله [إلى رسوله] لسماع آياته لتقوم عليهم الحجة وتتم عليهم النعمة ويكونوا نذرا لقومهم. وأمر الله رسوله أن يقص نبأهم على الناس
وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم، {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية
وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم،
[2] {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم، {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى، [المتضمنة لترك الشر] وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار
3-{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى
4-{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله، وإلا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول
4-
[5] {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}
[5]
أي: كنا مغترين قبل ذلك، وغرنا القادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن، وظنناهم لا يتجرأون على الكذب على الله، فلذلك كنا قبل هذا على طريقهم، فاليوم إذ بان لنا الحق، رجعنا إليه وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الناس يعارض الهدى
[6] {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}
[6]
أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم
ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه ومالي أو ولدي أو ماشيتي
ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه ومالي أو ولدي أو ماشيتي
7-{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} أي: فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً (9) وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10)
يخبر تعالى عن الجن حين بعث اللّه رسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها لئلا يسترقون شيئاً من القرآن
وهذا من لطف اللًه تعالى بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي من يروم أن يسترق السمع اليوم، يجد له شهاباً مرصداً له، لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه ويهلكه
{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً، وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى اللّه عزَّ وجلَّ وقد ورد في الصحيح:(والشر ليس إليك)
وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء، فآمن من آمن منهم، وتمرد في طغيانه من بقي
كماتقدم حديث ابن عباس عند قوله في سورة الأحقاف: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن} الآية. ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر، وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها، هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له، وظنوا أن ذلك لخراب العالم
فأتوا إبليس فحدَّثوه بالذي كان من أمرهم فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها، فأتوه، فشم فقال: صاحبكم بمكة فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا فوجدوا نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام، يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصاً على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه
وهذا من لطف اللًه تعالى بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي من يروم أن يسترق السمع اليوم، يجد له شهاباً مرصداً له، لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه ويهلكه
{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً، وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى اللّه عزَّ وجلَّ وقد ورد في الصحيح:
وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء، فآمن من آمن منهم، وتمرد في طغيانه من بقي
كما
فأتوا إبليس فحدَّثوه بالذي كان من أمرهم فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها، فأتوه، فشم فقال: صاحبكم بمكة فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا فوجدوا نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام، يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصاً على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه
الآية (11:17) {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي: فساق وفجار وكفار، {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا} أي: وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا، وأن نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الأرض ولن نعجزه إن هربنا وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته، لا ملجأ منه إلا إليه
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} وهو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعرفنا هدايته وإرشاده، أثر في قلوبنا فـ {آمَنَّا بِهِ}
ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ} إيمانا صادقا {فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} أي: لا نقصا ولا طغيانا ولا أذى يلحقه ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم
{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أي: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} وذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من الله لهم، فإنهم {لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} المثلى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أي: لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب
{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابا صعدا أي: شديدا بليغا
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }(19) أي: يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا، أي: متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى
{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }(19) أي: يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا، أي: متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى
منها : وجود الجن، وأنهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون، مجازون بأعمالهم، كما هو صريح في هذه السورة
ومنها: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول إلى الجن، كما هو رسول إلى الإنس ، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم
ومنها: ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن، وحسن أدبهم في خطابهم
ومنها: اعتناء الله برسوله، وحفظه لما جاء به، فحين ابتدأت بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم، والشياطين قد هربت عن أماكنها، وأزعجت عن مراصدها، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر، وأراد بهم ربهم رشدا
ومنها: شدة حرص الجن لاستماع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتراكمهم عليه
والله أعلم
=============
=============
مختصر من تفسير الشيخ العلامة السعدي
ومختصر ابن كثير للشيخ الصابوني رحمهم الله