التعقيبات القرآنية
بسم الله الرحمن الرحيم
تمثل التعقيبات التي ترد في خواتم الآيات القرآنية سمة بارزة من سمات الأسلوب القرآني، ووجهاً فائقاً من أوجه بلاغته؛ وذلك أنها تزيد معاني الآيات بياناً وإيضاحاً، فضلاً عن أثرها الإيقاعي في أُذن القارئ والسامع لكتاب الله العزيز
وقد روي عن الأصمعي أنه قال: كنت أقرأ (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم)، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام مَن هذا؟ قلت: كلامُ الله، قال: ليس هذا كلام الله
فانتبهتُ، فقرأتُ: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم } (المائدة:38)، فقال: أصبتَ، هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، قلتُ: من أين علمت؟ قال: يا هذا! عَزَّ، فَحَكَم، فقطع، ولو غفر ورحم، لما قطع
وذكر ابن عطية في "تفسيره"، أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم)، فقال كعب : إني لأستنكر أن يكون هكذا
ومر بهما رجل، فقال كعب : كيف تقرأ هذه الآية؟ فقرأ الرجل { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم } (البقرة:209)، فقال كعب : هكذا ينبغي
والذي لا شك فيه، أن ختام الآية في القرآن دائم التناسق مع مبدئها، وظاهر التناغم مع مضمونها. ونحن نذكر أمثلة على ذلك توضح المراد، وتكشف هذا المَعْلَم القرآني
أولاً
قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد } (البقرة:267)
لما كان المقام مقاماً لطلب الإنفاق من الكسب الطيب، وكان سبحانه غنياً عن الطيب والخبيث من المال، فلا يقبل سبحانه الرديء من مال عبده، يُقدمه عبده لنفسه، فالله أحق من يُختَار له خِيارُ الأشياء وأنفَسُها ناسب خَتْمُ الآية بقوله سبحانه: { غني حميد }
ثانياً
قوله سبحانه: { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم } (البقرة:286)
لما كان المقام مقام تهديد لأولئك المتصدقين، الذين يُتْبعون ما أنفقوا منًّا وأذى، فالله سبحانه غني عن الصدقة المؤذية. حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكرونه { وقليل من عبادي الشكور } (سبأ:13)
ثالثاً
أورد السيوطي في "إتقانه" قوله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } (البقرة:29)، وقوله سبحانه { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير } (آل عمران:29)
قال: فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بـ (القدرة)، وفي آية آل عمران الختم بـ (العلم). والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم وخلق السموات خلقاً مستوياً محكماً من غير تفاوت
والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالماً بما فعله كلياً وجزئياً مجملاً ومفصلاً، ناسب ختمها بصفة (العلم)، وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب ناسب ختمها بصفة (القدرة)
رابعاً
قال الآلوسي عند تفسيره لقوله سبحانه: { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } (النحل:11)
قال الآلوسي عند تفسيره لقوله سبحانه: { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } (النحل:11)
قال: حيث كان الاستدلال بما ذكر لاشتماله على أمر خفي محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد ختم الآية بالتفكر
والمتحصل، أن نهايات الآيات القرآنية متناسب مع سياقها، ومنسجم مع مضمونها، لا يشذ عن ذلك شيء من القرآن
*****************
*****************
مختصرمن مقالات الشبكة الإسلامية