آثار الذنوب والمعاصي
الحمد لله
الذنوب والمعاصي والمحرمات سبب لمحق البركات، وقلة الخيرات، ومنع الأرزاق، وسبب لعقوبة الله تعالى وتسليطه على عباده أنواعا من المثلات، وإحلال العقوبات وذلك لأنه تعالى يغضب على من عصاه، ويعاقبهم على قدر ذنوبهم إذا لم يعف عنهم
وقد أخبر الله تعالى بأن هذه المعاصي سبب لمنع الرزق، وسبب لظهور الفساد، وسبب للشرور ولتمكن الأشرار، وتسلطهم على الأخيار
يقول الله تعالى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ }41الروم
والفساد هنا يعم فساد الأخلاق، وفساد البلاد، ويعم الانحرافات، وهذا كله عقوبة على ما كسبت أيدي الناس، والكسب هنا هو فعل جرائم المحرمات، فقوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } يعني بما عملوا من المحرمات التي تسبب العقوبة، وتسبب محق البركة
ومع ذلك فإنه سبحانه يخبر بأنه لا يعاجل عباده، ولكن يمهلهم ويؤخرهم، وإلا فلو عاجلهم لأحل بهم العقوبة الصارمة، قال تعالى{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ }فاطر 45
والمعنى أنه لو يؤاخذ الناس بما يستحقونه من العقوبة على المظالم والمعاصي والمحرمات لعجل لهم، ولأخذهم ولأهلكهم حتى الدواب في الأرض
ولكن إذا استقروا ولزموا الطريقة المستقيمة أعانهم الله وأغاثهم، قال تعالى:
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا }الجن16
والطريقة هي الإسلام، أي إذا استقاموا على الإسلام وتمسكوا به وعملوا بشرائعه وتركوا المحرمات، فإن الله تعالى يسقيهم ماء غدقا فيسقي الأرض ويغيث العباد ويسقي الحرث والأشجار وأما إذا لم يفعلوا فإنه يعاقب من يشاء بأنواع العقوبة حسب ما يستحقونه
ومع ذلك فإنه يعفو عن كثير من المخالفات، وإلا فإن العباد على معاصيهم وذنوبهم يستحقون أكثر مما نزل بهم، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}الشورى30
والكسب هنا السيئات، يعني أن ما ينزل بنا من مصيبة فإنه عقوبة على الكسب المحرم وعلى السيئات التي اكتسبتها أيدينا
وقد ورد في بعض الأحاديث: [ ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ]
والإنسان لا يغتر بما هو فيه , فلا يغتر بالأمن , ولا يغتر بزهرة الدنيا , ولا يغتر بزخرفها ,ولا يغتر بكثرة الأموال والأولاد , ولا يغتر بالصحة في الأبدان ,
ولا يغتر بما أعطاه الله وما خوله فإن هذا ليس دليلا على رضى الله إذا كان الإنسان يعمل ما يسخطه، ولكن هو من الإمهال إلى العذاب الذي لم يأت أجله
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا رأيت الله يعطي الظالم وهو مقيم على ظلمه فاعلم أنه استدراج ] رواه أحمد] ويعطيه أي يوسّع عليه، فإذا رأيت الله تعالى يوسع على إنسان وهو ظالم، ومع ذلك تزداد مكانته ومنزلته وماله، ويزداد في طغيانه ومعصيته، فلا تظن أن ذلك لكرامته على الله، ولكن اعلم أن ذلك من باب الاستدراج
اقرأ قول الله تعالى: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }الأعراف182-183
فقوله: وَأُمْلِي لَهُمْ يعني أؤخرهم إلى أن يحين أجلهم وتنزل بهم العقوبة
============
سماحة الشيخ العلامة الجبرين رحمه الله تعالى