تفسير: لقد خلقنا الإنسان في كبد
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد:4]
﴿فِي كَبَدٍ﴾ فيها معنيان: المعنى الأول: في استقامة، يعني: أنه خُلِق على أكمل وجه في الخِلْقة؛ مستقيماً، يمشي على قدميه، ويرفع رأسَه، وبدنُه معتدلٌ. والبهائم بالعكس منه؛ الرأس على حذاء الدبر. أليس كذلك؟! أما بنو آدم فلا، الرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4]
المعنى الثاني: قيل: المراد بالكبد: مكابدة الأشياء، ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، في طلب الرزق، وفي إصلاح الحرث، وفي غير ذلك، ويعاني -أيضاً- معاناة أشد مع نفسه، ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا هو الجهاد الذي يُعتبر أشد من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتُلي الإنسان ببيئة منحرفة، وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً
فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملةً للمعنيين؟ الجواب: بلى، وهكذا ينبغي إذا وجدتَ في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين، وليس بينهما مناقضة، فاحملها على المعنيين؛ لأن القرآن أشمل، وأوسع. فهنا نقول: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد:4]: أي: في حسن قامة واستقامة، وفي كبد بمعاناة لمشاق الأمور
========
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى