هل التراويح مما سنه النبي صلى الله عليه وسلم أم مما فعله عمر
الحمد لله
ادَّعى بعضُ النَّاس أنها مِن سُنَنِ عُمرَ بن الخطاب، واستدلَّ لذلك بأنَّ عُمرَ بنَ الخطَّاب أَمَرَ أُبيَّ بنَ كعب وتميماً الدَّارِيَّ أنْ يقوما للنَّاس بإحدى عشرةَ رَكعةً وَخَرَجَ ذات ليلة والنَّاسُ يصلُّون، فقال: نِعْمَتِ البِدْعةُ هذه وهذا يدلُّ على أنَّه لم يسبقْ لها مشروعية. وعلى هذا؛ فتكون مِن سُنَنِ عُمرَ لا مِن سُننِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم
ولكن؛ هذا قولٌ ضعيف، غَفَلَ قائلُه عمَّا ثَبَتَ في «الصَّحيحين» وغيرهما أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قام بأصحابه ثلاثَ ليالٍ، وفي الثالثة أو في الرَّابعة تخلَّف لم يُصَلِّ، وقال: «إنِّي خشيتُ أنْ تُفرضَ عليكم» فثبتتِ التَّراويحُ بسُنَّة النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم المانعَ مِن الاستمرار فيها، لا مِن مشروعيَّتها، وهو خَوْفُ أنْ تُفرضَ
وهذا الخوف قد زال بوفاة الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه لمَّا مات صلّى الله عليه وسلّم انقطع الوحي فأُمِنَ مِن فرضيتها، فلمَّا زالت العِلَّةُ وهو خَوْفُ الفرضية بانقطاع الوحي ثَبَتَ زوال المعلول، وحينئذٍ تعود السُّنيَّة النبويَّة لها
ويبقى النَّظرُ؛ لماذا لم يفعل هذا أبو بكر؟
وهذا الخوف قد زال بوفاة الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه لمَّا مات صلّى الله عليه وسلّم انقطع الوحي فأُمِنَ مِن فرضيتها، فلمَّا زالت العِلَّةُ وهو خَوْفُ الفرضية بانقطاع الوحي ثَبَتَ زوال المعلول، وحينئذٍ تعود السُّنيَّة النبويَّة لها
ويبقى النَّظرُ؛ لماذا لم يفعل هذا أبو بكر؟
والجواب عن ذلك : أنْ يُقال: إن مُدَّة أبي بكر رضي الله عنه كانت سنتين وأشهراً، وكان مشغولاً بتجهيز الجيوش لقتال المرتدِّين وغيرهم، فكان مِن النَّاس مَن يُصلِّي وحدَه، ومنهم مَن يُصلِّي مع الرَّجُلين، ومنهم مَن يُصلِّي مع الثَّلاثة، فلما كان عُمرُ خرج ذات ليلة فوجدهم يُصلُّون أوزاعاً، فلم يعجبه هذا التَّفرُّق، وأمر تميماً الدَّاريَّ وأُبيَّ بنَ كعب أنْ يقوما للنَّاس جميعاً، ويُصلِّيا بالنَّاس إحدى عشرة ركعة، وبهذا عرفنا أنَّ فِعْلَ عُمرَ ما هو إلا إعادة لأمرٍ كان مشروعاً
فإن قال قائل: ما تقولون في قول عُمرَ: «نِعْمَتِ البِدعةُ» وهذا يدلُّ على أنها مبتدعة؟
فالجواب : أنَّ هذه البِدعةَ نسبيَّةٌ، فهي بِدعةٌ باعتبار ما سبقها، لا باعتبار أصل المشروعيَّة؛ لأنها بقيت في آخر حياة الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم وفي خلافة أبي بكر لم تُقَمْ، فلما استُؤنِفتْ إقامتُها، صارت كأنَّها ابتداء مِن جديد
ولا يمكن لعُمرَ بنِ الخطَّاب أنْ يُثني على بِدعةٍ شرعيَّةٍ أبداً، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «كُلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ»
ولا يمكن لعُمرَ بنِ الخطَّاب أنْ يُثني على بِدعةٍ شرعيَّةٍ أبداً، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «كُلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ»
والعجبُ أنَّ بعضَ أهل البِدع أخذ مِن قول عُمرَ: «نِعْمتِ البِدعةُ» باباً للبدعة، وصار يبتدع ما شاء ويقول: «نِعْمَت البِدعةُ هذه» ، ولا شَكَّ أن هذا مِن الأخذ بالمتشابه
حتى لو فُرضَ أنَّ عُمرَ رضي الله عنه ابتدعَ ـ وحاشاه مِن ذلك ـ فإنَّ له سُنَّة مُتَّبعة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الراشدين مِن بعدي» فلستَ مثله، فكيف تقول: أبتدعُ، ونِعْمتِ البِدعةُ! فَعُمَر له سُنَّة متَّبعة
حتى لو فُرضَ أنَّ عُمرَ رضي الله عنه ابتدعَ ـ وحاشاه مِن ذلك ـ فإنَّ له سُنَّة مُتَّبعة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الراشدين مِن بعدي» فلستَ مثله، فكيف تقول: أبتدعُ، ونِعْمتِ البِدعةُ! فَعُمَر له سُنَّة متَّبعة
مع أنَّنَا لا نعلم أنَّ عُمَرَ ابتدع شريعةً، إنَّما ابتدع سياساتٍ؛ لم تكن في عهد الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ يرى أنَّ فيها مصلحة
============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الرابع باب صلاة التطوع