إذا كان القرآن كاملا مكتملا فما الحاجة إلى السنة ؟

الحمد لله
أولاً :
لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب ، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين ، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان ، والجهلة من المسلمين ، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية ، وأن حجتهم داحضة

ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه : كم ركعة أصلي الظهر ؟ وكم هو نصاب الزكاة ؟ وهذا سؤالان يسيران ، ولا غنى بمسلم عنهما ، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى ، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية ؟ إن هذا من المحال ، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن 
 
ثانياً :
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة ، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم : أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم ، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالانتهاء عما نهى عنه ، وبطاعته ، وقبول حكمه 

ومن ذلك :
قال تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر:من الآية7
وقال تعالى  ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) النور/54
وقال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/من الآية64
وقال تعالى  ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/65 

فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات ؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟

وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار ، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم ؟ وما عددها ؟ وما أوقاتها ؟ وما شروطها ؟ وما مبطلاتها ؟ وقل مثل ذلك في الزكاة ، والصيام ، والحج ، وباقي شعائر الدين وشرائعه

وكيف سيطبق قول الله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/38 ؟ فكم هو نصاب السرقة ؟ ومن أين تُقطع اليد ؟ وهل هي اليمين أم الشمال ؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق ؟ ، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود

وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن ، ومن أعظم المنسلخين عن الدين ؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام ، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر ، أو أنه يفعلها فيتناقض !

ثالثاً :
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ، وفي كونها ملزمة للعباد ، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن ، بل في القرآن إشارة لحلِّه ، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح 

عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: 
 ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) [1] 

وبه يتبين:
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف ، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه ، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه ، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به

وأمر أخير:
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن : فإننا نقول : إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة ! فقال تعالى  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء/59 ، 

فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية ؟ إن قبلها : رجع إلى السنَّة فبطل قوله ، وإن لم يرجع : فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة 

========== 
 
مختصر من الإسلام سؤال وجواب 
http://islamqa.info/ar/93111
----------------
[1] رواه أبو داود ( 4604 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر