عبس وتولى ( تفسير الآيات 1-11)

‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11سورة عبس)
هذا العابس والمتولي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏ ومعنى ‏{‏عَبَسَ‏}‏ أي كلح في وجهه يعني استنكر الشيء بوجهه‏.‏ ومعنى ‏{‏تَوَلَّى‏}‏ أعرض‏.‏ ‏{‏أَن جَاءهُ الأَعْمَى‏}‏ الأعمى هو عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم رضي الله عنه 
فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة وهو في مكة، وكان عنده قوم من عظماء قريش يطمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إسلامهم، - ومن المعلوم أن العظماء والأشراف إذا أسلموا كان ذلك سببًا لإسلام من تحتهم

 فجاء هذا الأعمى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أنه كان يقول‏:‏ علمني مما علمك الله ويستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه وعبس في وجهه رجاءً وطمعًا في إسلام هؤلاء العظماء وكأنه خاف أن هؤلاء العظماء يزدرون النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجه وجهه لهذا الرجل الأعمى وأعرض عن هؤلاء العظماء 

 فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبوسه وتوليه يلاحظ هذين الأمرين‏:
‏ الأمر الأول‏:‏ الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء‏.‏ والأمر الثاني‏:‏ ألا يزدروا النبي صلى الله عليه وسلم في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم، ولا شك أن هذا اجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس احتقارًا لابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يهمه إلا أن تنتشر دعوته الحق بين عباد الله، وأن الناس عنده سواء بل من كان أشد إقبالًا على الإسلام فهو أحب إليه‏‏ 

 ‏{‏وَمَا يُدْرِيكَ‏}‏ أي‏:‏ أي شيء يريبك أن يتزكى هذا الرجل ويقوي إيمانه‏.‏ ‏{‏لَعَلَّهُ‏}‏ أي لعل ابن أم مكتوم ‏{‏يَزَّكَّى‏}‏ أي يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو منه فإنه أحق أن يلتفت إليه‏.‏ ‏{‏أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى‏}‏ يعني وما يدريك لعله يذكر أي يتعظ فتنفعه الموعظة فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر‏‏ ‏

{‏أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى‏}‏ يعني استغنى بماله لكثرته، واستغنى بجاهه لقوته فهذا ‏{‏فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى‏}‏ أي تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل عليه‏.‏ ‏{‏وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى‏}‏ يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ 
فبيّن الله سبحانه أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء‏‏

 ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى‏}‏ هذا مقابل قوله‏:‏ ‏{‏أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى‏}‏‏.‏ ‏{‏وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى‏}‏ أي يستعجل من أجل انتهاز الفرصة إلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَهُوَ يَخْشَى‏}‏ أي يخاف الله عز وجل بقلبه‏.‏ ‏{‏فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى‏}‏ أي تتلهى عنه وتتغافل لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون‏‏ 

 ‏{‏كَلاَّ‏}‏ يعني لا تفعل مثل هذا ولهذا نقول‏:‏ إن ‏{‏كَلاَّ‏}‏ هنا حرف ردع وزجر أي لا تفعل مثل ما فعلت‏.‏ ‏{‏إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ‏}‏ ‏{‏إِنَّهَا‏}‏ أي الآيات القرآنية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏.‏ ‏{‏تَذْكِرَةٌ‏}‏ تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه، وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب‏ 

(موضوع ذات صلة)
 (أن جاءه الأعمى) لماذا عبر تعالى عن هذا الصحابي بلقب يكرهه الناس ، مع أنه قال : ولا تنابزوا بالألقاب  
==============
مختصر من تفسير سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر