أن جاءه الأعمى , لماذا عبر تعالى عن هذا الصحابي بلقب يكرهه الناس ، مع أنه قال : ولا تنابزوا بالألقاب
الحمد لله
قوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} سبب نزول هذه السورة باتفاق المفسرين أنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بدعوة صناديد قريش فأتاه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى وقال: أقرئني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك فلم يتفق ذلك وما هو مشتغل به صلى الله عليه وسلم وما يرجوه مما هو أعظم فعبس وتولى عنه منصرفا لما هو مشتغل به
قوله تعالى: {أن جاءه الأعمى} ما نصه: عبر تعالى عن هذا الصحابي الجليل- الذي هو عبد الله بن أم مكتوم- بلقب يكرهه الناس مع أنه قال: {ولا تنابزوا بالألقاب} [49/ 11]
والجواب: هو ما نبه عليه بعض العلماء:
من أن السر في التعبير عنه بلفظ الأعمى؛ للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان يرى ما هو مشتغل به مع صناديد الكفار لما قطع كلامه
وقال الفخر الرازي: إنه وإن كان أعمى لا يرى فإنه يسمع وبسماعه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقدامه على مقاطعته يكون مرتكبا معصية فكيف يعاتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذورا لعدم الرؤية فليس معذورا لإمكان سماعه ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به.
فكلامه هذا يشعر بأنه إن كان معذورا لعدم الرؤية فليس معذورا لإمكان سماعه ولكن ذكره بوصفه ليوجب العطف عليه والرفق به.
والظاهر- والله تعالى أعلم-:أنه عاتبه لعدم رفقه به. ومراعاة حالة عماه
فعليه يكون ذكره بهذا الوصف من باب التعريض بغيره من أولئك الصناديد وسادة القوم وكأنه يقول لهم: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [22/ 46] فهذا كفيف البصر ولكن وقاد البصيرة أبصر الحق وآمن وجاء مع عماه يسعى طلبا للمزيد وأنتم تغلقت قلوبكم وعميت بصائركم فلم تدركوا الحقيقة ولم تبصروا نور الإيمان كما في الآية الكريمة: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور والعلم عند الله تعالى
تنبيه:
مما اتفق عليه المحدثون: جواز ذكر مثل هذه الأوصاف إذا كانت للتعريف لا للتنقيص فقالوا: الأعمى والأعور والأعرج. ومثله ليس تنابزا بالألقاب إذا كان للتعريف في غرض سليم دون تنقص كما قدمنا
**************
سماحة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (سورة عبس)