تفسير: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها
الحمد لله
قال تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
[الأعراف1175-176]
يقول تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}
أي: علمناه كتاب اللّه، فصار العالم الكبير والحبر النحرير
{فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} أي: انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات اللّه، فإن العلم بذلك، يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويرقى إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فترك هذا كتاب اللّه وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس
فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزًا. {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} بعد أن كان من الراشدين المرشدين.
وهذا لأن اللّه تعالى خذله ووكله إلى نفسه، فلهذا قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه
{وَلَكِنَّهُ} فعل ما يقتضي الخذلان، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ، أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية. {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} وترك طاعة مولاه، {فَمَثَلُهُ} في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها، {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} أي: لا يزال لاهثًا في كل حال، وهذا لا يزال حريصًا، حرصا قاطعًا قلبه، لا يسد فاقته شيء من الدنيا
وهذا الذي آتاه اللّه آياته، يحتمل أن المراد به شخص معين، قد كان منه ما ذكره اللّه، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد. ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها
وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان
*********
تفسير الشيخ العلامة السعدي رحمه الله تعالى