حديث : هلك المتنطعون

الحمد لله
عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 
 ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون ) 
الهلاك : ضد البقاء ، يعني أنهم تلفوا وخسروا  والمتنطعون : هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية ، ولهذا جاء في الحديث 
 ( لا تشددوا فيشدد الله عليكم )(174) 
 
كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك 
 
 ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى ولا سيما في رمضان حيث يكون الله قد اباح له الفطر وهو مريض ويحتاج إلي الأكل والشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث : هلك المتنطعون 
  
مثلاً : كما جاء في الحديث الصحيح
( إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء )
(175) فيأتي هذا المتنطع فيبحث : هذه الأصابع كم عددها ؟ وهل لها أنامل ؟ وكم أناملها ؟ وما أشبه ذلك 
 
كذلك مثلاً ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى الثلث الآخر )(176
 يقول : كيف ينزل ؟ كيف ينزل في ثلث الليل وثلث الليل يدور على الأرض كلها ؟ معنى هذا أنه نازل دائماً ، وما أشبه ذلك الكلام الذي لا يؤجرون عليه، ولا يحمدون عليه، بل هم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة وهم إلى الذم أقرب منهم إلى المدح 
 
هذه المسائل التي يكلف بها الإنسان ، وهي من مسائل الغيب ، ولم يسال عنها من هو خير منه ، وأحرص منه على معرفة الله بأسمائه وصفاته ، يجب عليه أن يمسك عنها ، وأن يقول : سمعنا وأطعنا وصدقنا وآمنا ، أما أن يبحث أشياء هي مسائل الغيب ، فإن هذا لا شك أنه من التنطع 
 
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء ، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر ، وهو في عافية من ذلك , فإنه إذا استرسل مع هذه الوساوس ما كفاه أربع ولا خمس ولا ست ولا أكثر من ذلك ، فيسترسل مع الشيطان حتى يخرج عن طوره حتى يقول : هل أحد عاقل يتصرف هذا التصرف 
 
أيضاً في الاغتسال من الجنابة ، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال ، في إدخال الماء في أذنيه ، وفي إدخال الماء في منخريه ، وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون ) . فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث  
 
**************
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من شرح رياض الصالحين-المجلد الثاني - باب الاقتصاد في الطاعة 
-----------------------------
(174) أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب في الحسد ، رقم (4904) ،وأبو يعلي (6/365)
(175) أخرجه مسلم ، كتاب القدر ، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء، رقم (2654)
(176) أخرجه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ) ، رقم (7494)، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب الترغيب في الدعاء ، رقم (758)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر