بين الأمن والإياس

الحمد لله
هذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو الوسط بين الأمن من مكر الله والإياس من رحمته، فهم يرجون رحمة الله، ولا يأمنون من مكر الله، ولا من العذاب والفتنة، لكن لا يقنطون من رحمة الله، فيجمعون بين الخوف والرجاء، وهو ما كان عليه الأنبياء 
 
 قال سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏90‏]‏ فهؤلاء هم الأنبياء، فخوفهم من الله لم يحملهم على القنوط من رحمة الله 
 
 قال سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏87‏]‏   
 وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏56‏]‏ 
 وأيضاً‏:‏ رجاؤهم من الله لم يحملهم على الأمن من مكر الله 
  
 قال سبحانه‏:‏ ‏{‏أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏99‏]‏‏  
فإبراهيم أبو الأنبياء يقول‏:‏ ‏{‏وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏35]‏ 
 فإبراهيم ما أمن على نفسه، ولكنه خاف الفتنة؛ لأنه بشر‏
 
فلا يأمن الإنسان على نفسه ويقول‏:‏ أنا رجل صالح، بل يخاف على نفسه، مع عدم القنوط من رحمة الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏53، 54‏]‏‏
 
فالواجب على الإنسان‏:‏ أن يفعل أسباب الرحمة، وهي التوبة وإسلام الوجه لله سبحانه، عند ذلك يحصل على رحمة الله، فرحمة الله قريب من المحسنين، والإحسان سبب الرحمة، هذا مذهب أهل السنة والجماعة 
 
 وهو بين مذهب المرجئة الذين يقولون‏:‏ لا يضر مع الإيمان معصية، فإذا كان الإنسان مؤمناً بقلبه فلا تضره المعصية، فهؤلاء أمنوا مكر الله، ويقولون‏:‏ الأعمال لا تدخل في حقيقة الإيمان، فيدخل الجنة وإن لم يعمل شيئاً عندهم، وهذا مذهب أفسد الدنيا، تحلل الناس من الدين بسببه، وقالوا‏:‏ ما دام أننا ندخل الجنة، فلا حاجة إلى الأعمال، فيفعلون ما يشاءون‏ 
 
وبين الوعيدية الخوارج الذين يُكفِّرون بالكبائر التي دون الشرك، ويرون إنفاذ الوعيد الذي ذكره الله على من عصاه 
 
 فإن الله توعد العصاة، لكن قال‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏48‏]‏‏.‏ فهم تحت المشيئة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الوسط‏
 
والقول الحق مع أهل السنة والجماعة الذين توسطوا بين الأمن والرجاء، والخوف والقنوط، ولهذا يقولون‏:‏ الخوف والرجاء بالنسبة للإنسان كجناحي الطائر، ولابد من سلامة الجناحين، فكذلك الخوف والرجاء لو اختل أحدهما سقط، فلابد من التعادل كما يتعادل جناحا الطائر‏
 
*************************  
سماحة الشيخ العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان
من كتاب : التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية  

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر