دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات
الحمد لله
هذه مسألة فقهية، ولها تعلق بالعقيدة
قال عليه الصلاة والسلام (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (1)
(صدقة جارية)
فالعبد ينقطع عمله بموته، إلا ما تسبب في بقائه بعد موته، مثل الصدقة الجارية، كوقف مسجد أو مدرسة يدرس فيها، فما دام نفعها فأجرها يجري ما دام هذا الوقف ينتفع به
(أو علم)
بأن يكون قد درّس الفقه أو العقيدة، وصار له تلاميذ، فيجري عليه أجر تعليمه، أو ألّف كتباً تنفع الناس، فيجري أجره، وهذا من العلم الذي علَّمه
(أو ولد صالح يدعو له)
فهو تزوج من أجل إعفاف نفسه، وطلباً للذرية الصالحة، فجاءه ولد صالح، وهذا مما تسبب فيه، قال عليه الصلاة والسلام (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم)(2)
فإن كان صالحاً يدعو له بعد موته، فإن دعاءه يصل إليه، وهذا من عمله الذي تسبب فيه فينفعه عمل غيره
قال سبحانه: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] منطوق الآية: أن عمل الإنسان لا ينفع غيره، إلا ما تسبب فيه، فأخذ طائفة من العلماء بهذه الآية، وقال: لا ينفعه إلا عمله مطلقاً، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأشياء تنفع الميت من عمل غيره، مثل الدعاء والاستغفار {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:10] {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، هذا يشمل الأموات أيضاً
والنبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا دفنوا أخاهم أن يقفوا على قبره، وأن يستغفروا له ويسألوا له التثبيت فعن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل) (3)
كذلك الصدقة تنفع الميت، (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأن أمة ماتت، ولو تكلمت لتصدقت، أفأتصدّق عنها؟ قال: "نعم")(4)
كذلك الحج ينفع غيره، كما جاءت به الأدلة، كما في حديث شبرمة، قال عليه الصلاة والسلام (حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة) فهذا عمل للغير ينفع الميت، كذلك لما جاءت امرأة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أمها: أنها أدركتها فريضة الحج ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال (نعم، حجي عن أمك) (5)
فتكون هذه الأشياء: الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والعمرة، تكون نافعة للميت من عمل غيره
وغلت طائفة في هذا وقالت: ينفع الميت كل شيء من عمل غيره، فيستأجرون المقرئين يقرءون للميت، فمثل هذا العمل لا ينفع الميت ولا الحي؛ لأن القارئ أخذ على قراءته أجرة، فليس له ثواب، ومن ناحية ثانية: أن هذا الأمر مبتدع، ليس عليه دليل، وسبحان الله! لو جعل الأجرة التي يعطيها المقرئ صدقة عن الميت صار تابعاً للسنة وينفع الميت، أما على وجه البدعة فلا ينفع الميت ولا الحي، وهذا نتيجة ترك السنة
*****************
سماحة الشيخ العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان
من كتاب : التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية
---------------------------
(2) الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1566خلاصة حكم المحدث: صحيح
(2) الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1566خلاصة حكم المحدث: صحيح
(3) أخرجه أبو داود (رقم3221) والحاكم 1/370 وقال : هذا حديث صحيح على شرط الإسناد ولم يخرجاه.]
(4)الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2760خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
(5) الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 929خلاصة حكم المحدث: صحيح