صلاة الحاقن

الحمد لله
يُكره أن يُصلِّي وهو حاقن، والحاقن هو المحتاج إلى البول، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصَّلاةِ في حضرة طعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان[449]
 
والحكمة من ذلك: أن في هذا ضرراً بدنيًّا عليه،وفيه أيضاً ضررٌ يتعلَّقُ بالصَّلاة؛ لأن الإنسان الذي يُدافع البول لا يمكن أن يُحضر قلبه لما هو فيه من الصَّلاة؛ لأنه منشغل بمدافعة هذا الخَبَث 
 
 وإذا كان حاقباً فهو مثله، والحاقب: هو الذي حَبَسَ الغائط، فيُكره أن يُصلِّي وهو حابس للغائط يدافعه، والعِلَّة فيه ما قلنا في عِلَّة الحاقن، وكذلك إذا كان محتبس الرِّيح فإنه يُكره أن يُصلِّي وهو يدافعها.
 
مسألة: إذا قال قائل:          
رَجُلٌ على وُضُوء، وهو يدافع البول أو الرِّيح، لكن لو قضى حاجته لم يكن عنده ماء يتوضَّأ به، فهل نقول: اقْضِ حاجتك وتيمَّم للصَّلاة، أو نقول: صَلِّ وأنت مدافع للأخبثين؟
فالجواب: نقول: اقْضِ حاجتك وتيمَّم، ولا تُصَلِّ وأنت تُدافع الأخبثين، وذلك لأن الصلاة بالتيمُّم لا تُكره بالإجماع، والصَّلاةُ مع مدافعة الأخبثين منهيٌّ عنها مكروهة، ومِن العلماء مَن حَرَّمها وقال: إن الصَّلاةَ لا تصحُّ مع مدافعة الأخبثين[450]، لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يُدافعه الأخبثان»[451]
 
مسألة: لو قال قائل: 
 إنه حاقن، ويخشى إنْ قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يُصلِّي حاقناً ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟
فالجواب: يقضي حاجته ويتوضَّأ ولو فاتته الجماعة، لأن هذا عُذر، وإذا طرأ عليه في أثناء الصَّلاة فله أن يُفارق الإمام
 
مسألة: إذا قال قائل: 
 إنَّ الوقت قد ضاقَ، وهو الآن يُدافع أحد الأخبثين فإن قضى حاجته وتوضَّأ خرج الوقتُ، وإن صَلَّى قبل خروج الوقت صَلَّى وهو يدافع الأخبثين، فهل يُصلِّي وهو يدافع الأخبثين، أو يقضي حاجته ويُصلِّي؛ ولو بعد الوقت؟
فالجواب: إنْ كانت الصَّلاةُ تُجمع مع ما بعدَها فليقضِ حاجته وينوي الجمع؛ لأن الجمع في هذه الحال جائز، وإن لم تكن تُجمع مع ما بعدَها كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، أو في صلاة العصر، أو في صلاة العشاء، فللعلماء في هذه المسألة قولان[452]
 
القول الأول: أنه يُصلِّي ولو مع مُدافعة الأخبثين حفاظاً على الوقت، وهذا رأي الجُمهور.
القول الثاني: يقضي حاجته ويُصلِّي ولو خرج الوقت.
وهذا القول أقرب إلى قواعد الشريعة؛ لأن هذا بلا شَكٍّ من اليُسر، والإنسان إذا كان يُدافع الأخبثين يَخشى على نفسِه الضَّرر مع انشغاله عن الصَّلاة.
 
وهذا في المدافعة القريبة.
أما المدافعة الشديدة التي لا يدري ما يقول فيها، ويكاد يتقطَّع من شدة الحصر، أو يخشى أن يغلبه الحَدَث فيخرج منه بلا اختيار، فهذا لا شَكَّ أنه يقضي حاجته ثم يُصلِّي، وينبغي ألا يكون في هذا خلاف 
 
=============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع المجلد الثالث باب صفة الصلاة
-----------------------
[449] أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام (560) (67).
[450] «الإنصاف» (3/594)، و«المحلى» (4/46).
[451] تقدم تخريجه
[452] «المجموع» (3/38)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر