الدليل على أن البسملة ليست من الفاتحة
الحمد لله
والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، قال اللَّهُ تعالى: حَمَدَني عبدي...»الحديث.[102]
فإن قيل: إذا لم تكن مِن الفاتحة؛ فإنه مِن المعلوم أنَّ الفاتحةَ سبعُ آيات، فكيف تُوزَّع السَّبع الآيات على الفاتحة إذا أخرجنا البسملةَ منها؟
فالجواب: أنها توزَّع كالآتي:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأولى
{الرحمن الرَّحِيمِ} الثانية
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } الثالثة
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الرابعة
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } الخامسة
{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} السادسة
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } السابعة
هذا التَّوزيعُ هو المطابق للمعنى واللَّفظِ
أما مطابقته للَّفظ: فإننا إذا وزَّعنا الفاتحةَ على هذا الوجه صارت الآيات متناسبة ومتقاربة
لكن إذا قلنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } هذه الآية السادسة. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } صارت السابعة طويلة لا تتناسب مع الآية السَّابقة، فهذا تناسبٌ لفظي
وأما التَّناسبُ المعنوي: فإن الله تعالى قال: «قَسَمْتُ الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سألَ. فإذا قال العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال الله تعالى: حَمَدني عبدي. وإذا قال: {الرحمن الرَّحِيمِ} قال: أثنى عَليَّ عبدي. وإذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، قال: مجَّدَني عبدي
فهذه ثلاث آيات كلُّها لله
فإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل فيقتضي أن تكون النِّصفُ هي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وهي الرابعة.
والخامسة، والسادسة والسابعة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ*
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }
فتكون الآيات الثلاث الأولى لله تعالى، والآيات الثلاث الأخيرة للعبد و{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الآية الوسطى، بين العبد وبين ربِّه
فإن قال قائل: إذا قلتم ذلك فكيف الجواب عمَّا نجدُه في المصاحف: أن أول آية في الفاتحة هي البسملة؟
فالجواب: هذا الترقيم على قول بعض أهل العلم [104]: أنَّ البسملة آية من الفاتحة
ولهذا في بقية السُّور لا تُعدُّ مِن آياتها ولا تُرقَّم. والصَّحيحُ أنها ليست مِن الفاتحة، ولا مِن غير الفاتحة، بل هي آية مستقلَّة
============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
-----------------
[102] أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (395) (38)
[104] «المغني» (2/151)، «الإنصاف» (3/431)