حديث : دعوني ما تركتكم
الحمد لله
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(دعوني ما تركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرةُ سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم. فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) [1]
هذه الأسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها: هي التي نهى الله عنها في قوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}
وهي الأسئلة عن أشياء من أمور الغيب، أو من الأمور التي عفا الله عنها، فلم يحرمها ولم يوجبها. فيسأل السائل عنها وقت نزول الوحي والتشريع. فربما وجبت بسبب السؤال. وربما حرمت كذلك. فيدخل السائل في قوله صلى الله عليه وسلم
(أعظم المسلمين جرماً: من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته)[2]
وكذلك ينهى العبد عن سؤال التعنت والأغلوطات وينهى أيضاً عن أن يسأل عن الأمور غير المهمة. ويدع السؤال عن الأمور المهمة. فهذه الأسئلة وما أشبهها هي التي نهى الشارع عنها
وأما السؤال على وجه الاسترشاد عن المسائل الدينية من أصول وفروع، عبادات أو معاملات، فهي مما أمر الله بها ورسوله، ومما حث عليها. وهي الوسيلة لتعلم العلوم، وإدراك الحقائق، قال تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وقال صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وذلك بسلوك طريق التفقه في الدين دراسة وتعلما وسؤالا
وقد أمر الله بالرفق بالسائل، وإعطائه مطلوبه، وعدم التضجر منه
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أصلين عظيمين:
أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا نهيتكم عنه فاجتنبوه) فكل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة: وجب تركه، والكف عنه؛ امتثالاً وطاعة لله ورسوله. ولم يقل في النهي: ما استطعتم لأن النهي طلب كف النفس، وهو مقدور لكل أحد، فكل أحد يقدر على ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله
الأصل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) وهذا أصل كبير، دلّ عليه أيضاً قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
فأوامر الشريعة كلها معلقة بقدرة العبد واستطاعته، فإذا لم يقدر على واجب من الواجبات بالكلية، سقط عنه وجوبه. إذا قدر على بعضه، وعجز عن باقيه، وجب عليه ما يقدر عليه وسقط عنه ما عجز عنه. وكلها داخلة في هذا الحديث . وبالله التوفيق
=============
فضيلة الشيخ العلامة السعدي رحمه الله تعالى
كتاب : بهجة قلوب الأبرار - مختصر من الحديث الحادي والثمانون
---------------------
[1] الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7288
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[2] الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7289خلاصة حكم المحدث: [صحيح]