معنى حديث : من ضارّ ضارّ الله به
السؤال: حديث مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ. الترمذي 1940 ، لكني أرى كثيرا من الناس يضرون ويشاقّون الآخرين والله لا يشقّ عليهم.
الحمد لله
عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ "[1]
ومعنى هذا الحديث صحيح ، تشهد له أدلة الشرع، فهو من باب الجزاء من جنس العمل، وقد تضافرت أدلة الشرع على تأكيد هذه القاعدة
ما استشكله السائل من أنا قد نرى شخصا يضر الناس ويؤذيهم ويشق عليهم؛ لكن ظاهر حياته أنها مترفة منعّمة، لا تنغيص فيها ولا تكدير، فمثل هذه الصور لا ينتقض بها معنى هذا الحديث ، وبيان ذلك من وجوه :
أنّ هذا التصور مبني على ظاهر هذا المؤذي الظالم، وكثيرا ما يلحق مثل هذا الظالم من الضرر والمشقة النفسية ما يجعله في نكد من العيش ، وضنك وكرب ، حتى إنه ليضيق بحياته وبمتع الدنيا المحيطة به؛ فهو يملك متع الدنيا؛ لكنه محبوس عنها، مبتسم الشفاه؛ لكنه متألم القلب.
والعذاب إذا أُخِّر عن الظالم ، فهذا ليس علامة خير بل ربما كان التأخير شرا أريد بهذا الظالم، فتتأخر عقوبته ليزداد غيا وتحيط به خطاياه، فإذا جاءه العذاب جاءه بغتة فيكون أشد ألما، ولا يترك له مجال التوبة فيموت يوم يموت وهو محمّل بمظالم الناس.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ.
ثُمَّ تَلَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[2]
وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. ثُمَّ قَرَأَ:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ، إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[3]
أن الحديث لم ينص على أن عذاب هذا الظالم يجب أن يلحق به في الدنيا، بل هو مطلق ؛ فقد تأتيه المضرة والمشقة في الحياة الدنيا، وربما يعيش الظالم مرفّها حتى يموت؛ فيموت وهو محمل بذنوبه وهناك عذاب الآخرة أشقّ وأضرّ وفضيحته أشد.
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ"[4]
^^^^^^^^^
مختصر من الإسلام سؤال وجواب
-------
[1] رواه أبو داود (3635) والترمذي (1940) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ"
[2] سورة الأنعام: 44 ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (28 / 547)، وحسّنه محققو المسند
[3] سورة هود: 102 ) رواه مسلم (2583).
[4] رواه الترمذي (2396) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ ". وحسّنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".