عداوة أهل النار بعضهم لبعض في النار


بسم الله الرحمن الرحيم  
إن من رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بنا أن نقل لنا في كتابه وفي سنة رسوله صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ صوراً حية من أحداث يوم القيامة ومن أحوالها التي تكون لأهل الإيمان ولأهل الكفر والنفاق حتى لكأن الإنسان ينظرها عياناً 
 حتى  نأخذ العظة والعبرة، ونعمل عملاً صالحاً، حتى لا نكون ممن يتعرضون لتلك الأحوال؛ لأن الكفرة والمنافقين كلٌّ يمقت نفسه ويزدريها، ويتمنى لو تسوى به الأرض،  ويكونون عدماً   
 هؤلاء أهل النار كلهم: بعضهم يلعن بعضاً، لا يوجد شخص يحب الآخر 
 
مخاصمة بين التابعين والمتبوعين 
تحصل مخاصمة  بين التابعين والمتبوعين، بين العابد والمعبود، فيتبرأ كل من الآخر 
 قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)الشعراء } يتشاجر في النار التابع والمتبوع} 
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97)* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) الشعراء } 
 نجعلكم مثل الله نطيعكم، تحرمون ما أحل الله فنحرمه، وتحلون ما حرم الله فنحله، وتشرعون شريعة غير دين الله ثم نطبقها، وتضعون قوانين ما أنزل الله بها من سلطان ونحن نطيعكم عليها، سويناكم برب العالمين سبحانه 
 
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97)الشعراء} أي: والله لقد كنا في ضلال مبين { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)الشعراء} ثم يقولون: وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ(99)الشعراء} من هم المجرمون؟ هم دعاة الضلال الذي يضلون الناس ويزينون لهم الباطل، ويخدعونهم بدعوتهم إلى غير منهج الله، هؤلاء يقال لهم يوم القيامة بأنهم مجرمون 

 ثم يقولون: وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (99-100)* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)* فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الشعراء:102} لكن لا عودة أبداً { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104الشعراء

تحدث مخاصمة أيضاً بين هؤلاء الأتباع والمتبوعين.. بين الظالمين ومن تبعوهم في الضلال. يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ (22)الصافات} يعني: نظراءهم وأشكالهم، وليس المقصود أن كل ظالم يحشر هو وزوجته، فقد يكون الرجل ظالماً لكن زوجته مؤمنة 
 والذين كانوا يعبدونهم مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ أي: دلوهم، لكن إلى أين؟ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)الصافات ,, فقد دللناهم في الدنيا على صراطنا المستقيم فرفضوه وساروا في طريق الشيطان، فالآن دلوهم إلى نهاية الطريق {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)الصافات 
  
 ثم قال: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ(24) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (25)الصافات },, لماذا لا تستنكرون؟ لماذا لا يدافع بعضكم عن بعض؟ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)*وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)الصافات} يقولون: كنا كلما أتينا نريد طريق اليمين ردتمونا عنه 

{ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)الصافات} ,, أي: أنتم في الأصل كنتم معنا، { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ (30)الصافات},, لم نأخذكم بالغلظة أو بالقوة والبطش { بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِينَ (30) * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)الصافات ,, يقولون: نحن هكذا كنا غاوين فأغويناكم معنا فلماذا أطعتمونا؟ قال الله: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)* إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ  الصافات (34)* إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)  الصافات 


الخصام بين الضعفاء والمستكبرين 
يحدث أيضاً خصام آخر في النار بين الضعفاء والمستكبرين، يقول الله: { وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً (21)إبراهيم },, يقولون: نحن أتباعكم ولابد أن تحملوا من العذاب شيئاً أكثر منا { فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) }  

 وفي موضع آخر من القرآن يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{  وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ (47)غافر } ,,يعني: يتحاكمون ويتخاصمون، ويتشاجرون {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا (47-48)غافر} 

 الله أكبر! لا إله إلا الله! يقولون: أين نذهب بكم؟ كيف ننصركم؟ ونحن معكم. فأهل النار يقول الكبيرمنهم للصغير: { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)غاف  } 

 وهذا كله في عرصات القيامة قبل أن يدخلوا النار، وعندما يدخلون النار ويقفون على الأبواب يتخاصمون أيضاً، يقول الله عَزَّ وَجَلّ:{ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)ص }  ,, شر مآب وشر مصير للطاغين المجرمين { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَذَا فَوْجٌ (56-59) ص } 

 يعني: مجموعة جاءوا إلى النار {مُقْتَحِمٌ } فلا يدخلون النار مشياً وإنما يدفعون دفعاً { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً الطور:13} ثم سبعين سنة يهوون حتى يصلوا إلى قعرها { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ } ,, أي: مقتحم عليكم في النار. فيقول من في النار:{ لا مَرْحَباً بِهِمْ } 

 كان إذا رآه في الدنيا يرحب به ويأخذه بالأحضان؛ لأنهم اجتمعوا في الدنيا على صوت العود والأغاني، ويوم القيامة يقول:{ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (56)ص} ,, فيقول الذين في الأعلى:{ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ  قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِيالنَّارِ(61)ص  


 ظهور الحقيقة للكافرين الساخرين من المؤمنين  
وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ(62)ص},, وهم في النار تذكروا، قالوا: أين الذين كنا نتصورهم من الأشرار من هم؟ هم أهل الإيمان؛ لأن الكفار كانت فطرهم منكوسة، ونظراتهم مغيرة، كانوا يتصورون المؤمن شريراً ويقولون: هذه عقلية متخلفة وهذا هوس ديني. فتجده في الدنيا يلمز ويغمز، ويصب الاتهامات على المتدينين، فأحياناً يصفهم بالتزمت، وبالاحتقار 


 فنقول: وأنت أين أنت؟ يقول: هؤلاء أشرار. أين الذين { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً (62 يقول ضحكنا عليهم في الدنيا، أين هم الآن؟ {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} 63ص,,, لعلهم في النار، ونحن لا نراهم بأعيننا، أين هم؟ {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} 64ص 
 ثم يتضح لهم أن أولئك في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، بما صبروا وتحملوا الأذى في سبيل إرضاء الله تعالى 

 
خصام بين الكافر وأعضائه 
ثم تحصل مخاصمة بين الإنسان وبين نفسه، بينه وبين أعضائه، فعينك التي تستخدمها في الحرام والله لتكونن خصماً لها يوم القيامة، وتكون خصمك يوم القيامة. فيقول الله: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} 19فصلت 
 
 يوزعون، أي: يجمعون، يجمع أولهم على آخرهم، مثلما تَجَمعُ الغنمَ إذا أدخلتها في الحضيرة، لا تُدخلها واحدة واحدة، وإنما تتجمع كلها، تخشى أن إحداها تهرب فتردها.. وهكذا، يحشرون ويوزعون حتى لا يفلت منهم أحد 
 
 {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 20فصلت ,, ويبدأ الخصام: { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } 21فصلت 
 
 يقولون: إن الله الذي أنطقنا كما أنطقكم أول مرة، أنطقنا نحن الجوارح بما عملنا. أنت كانت عينك لك، وجعلتها عدوة لك،وكانت أذنك لك، ولكن جعلت أذنك عدوة لك، كان بالإمكان أن تجعل هذه العين صديقة لك تنظر بها في الحلال، وتقرأ بها القرآن، وأذنك تسمع به القرآن ولسانك تتكلم به في الحق، فتكون هذه يوم القيامة شواهد لك 
 
 ولكن يوم أن سخرتها في الباطل أصبحت شهيدة عليك. ويكون هذا حين يعاينون العذاب الشديد الذي أعده الله لهم، فيلجئون بعد ذلك إلى التقليد، والإنكار، وتكذيب الملائكة، ويدعون أنهم كانوا صالحين، فما يبقى عليهم حجة إلا أن يُشْهَدَ الله عليهم أنفسهم. فيختم الله على أفواههم، وتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، وبعد سماعهم لكلام جوارحهم، يقول أحدهم لأعضائه: بعداً لكنَّ وسحقاً، عنكن كنت أجادل 
 
هذا هو حال الكفار يوم القيامة، فهل يريد أحد منا أن يكون في مثل هذه الحال ؟ نعوذ بالله من هذه الحال. اللهم إنا نعوذ بك من النار ومن حال أهل النار، ومن حر النار، ومن عذاب النار، ومن الخزي والبوار، ونسألك يا الله، يا أرحم الراحمين ! أن تجيرنا من النار، اللهم حرم أجسادنا على النار،  وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً  

*************
فضيلة الشيخ سعيد بن مسفر

مختصر وبتصرف يسير من محاضرة
أحوال أهل النار
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=108118#top
 





 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

































































































المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر