هل لقواعد علم الحديث أساس في الكتاب والسنة ؟
س : هل لقواعد علم الحديث أساس في الكتاب والسنة ، أي: هل هناك مثلاً دليل يشير إلى طبيعة استخدام الإسناد ، أو كيفية التفريق بين الصحيح والضعيف ؟ أو هل هناك ما يشير إلى مسألة الجرح والتعديل ؟ أم أن المحدثين هم من وضع هذا العلم في اجتهاد منهم لحفظ السنة، حتى ولو لم يكن لهم دليل من القرآن أو السنة ؟
الحمد لله
علم أصول الحديث هو في الأصل والأساس مبني على قواعد عقلية ، ومبادئ منهجية ، وأصول تجريبية ؛ توصَّل إليها المحدثون بحكم الخبرة المنهجية المتراكمة في نقل الأخبار وتحري صدقها وثبوتها ، واهتدوا إلى أسس هذا العلم بالممارسة الطويلة، ومعاناة السماع والأداء والنقد والتعليل ، والبناء شيئا فشيئا لقواعد العلم وضوابطه
ولكن هذه القواعد في الوقت نفسه – في فلسفتها العامة وليس في ضوابطها الجزئية - أصول شرعية مقررة في نصوص الكتاب والسنة، فقد وردت الأدلة الشرعية الإجمالية التي تخط لعلماء الحديث المبادئ الأساسية لعلوم التاريخ، وأما التفاصيل فهي محالة إلى المنهج التجريبي ، السابق ذكره.
فمن تلك المبادئ الأساسية الشرعية العامة:
1. تغليظ تحريم الكذب في الحديث كما قال عليه الصلاة والسلام:
{إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ} [1]
2. عدم قبول خبر الفاسق
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } الحجرات/6
3. اشتراط عدالة الراوي قياسا على عدالة الشاهد
قال تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه} الطلاق/ 2
4. التثبت والتحري الدائمان
قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}الإسراء/ 36
5. الحذر من مناكير الأخبار
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) [2]
6. التوقي عن رواية المكذوب
كما قال عليه الصلاة والسلام:
(مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) [3]
7. الضبط والحفظ معيار الثقة :
قال عليه الصلاة والسلام:
( نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ) [4]
8. الحذر من التهمة بكثرة الغرائب وعدم انتقاء الحديث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) [5]
9. طلب الدليل والبرهان
قال تعالى: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/ 111
10. التفتيش عن العلم واليقين، بعيدا عن الظن والوهم
قال تعالى:{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)
النجم/ 28
يقول الدكتور همام سعيد:
" لقد أغفل كثير من الباحثين هذه العلاقة المنهجية بين القرآن الكريم وعلوم الحديث، حتى تسرب إلى الأذهان أن منهجية المحدثين نوع من العبقرية الفذة، وأنها نشأت من الحاجة وحدها
والحق الذي لا مرية فيه أن منهجية المحدثين منهجية قرآنية ، وأنها مظهر من مظاهر إعجاز هذا الدين، وكما حفظ الله كتابه الكريم من كل تبديل أو تغيير، فقد حفظ السنة بمجموعها، وصانها من الاندثار والنسيان"
والحق الذي لا مرية فيه أن منهجية المحدثين منهجية قرآنية ، وأنها مظهر من مظاهر إعجاز هذا الدين، وكما حفظ الله كتابه الكريم من كل تبديل أو تغيير، فقد حفظ السنة بمجموعها، وصانها من الاندثار والنسيان"
انتهى من "الفكر المنهجي عند المحدثين" (ص24)
===========
مختصر من موقع الإسلام سؤال وجواب
----------------
[1]رواه البخاري (1295) ، ومسلم (4) في المقدمة
[2] رواه مسلم في مقدمة صحيحه (7)
[3] رواه مسلم في مقدمة صحيحه
[4] رواه أبوداود في "السنن" (3660)وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (230)