معنى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله
س: قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا
اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا "
والسؤال هو: أن بعض المسلمين يأخذون بهذه الآية أنه لا حرج على المسلم أن يذهب ويشد
الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله أن يستغفر له رسول الله وهو في
قبره، فهل هذا العمل صحيح كما قال تعالى؟ وهل معنى جاءوك أنه: جاءوك في
حياتك أم في موتك؟
قال تعالى : "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا
اللَّهَ " [النساء64]
أي تائبين نادمين لا
مجرد قول، واستغفر لهم
الرسول أي: دعا لهم بالمغفرة، لوجدوا الله توابا رحيما فهو حث لهم أي للعباد
على أن يأتوا للرسول صلى الله عليه وسلم ليعلنوا عنده توبتهم وليسأل الله لهم
وليس
المراد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما يظنه بعض الجهال، فالمجيء إليه بعد موته
لهذا الغرض غير مشروع وإنما يؤتى للسلام عليه لمن كان في المدينة أو وصل إليها من
خارجها لقصد الصلاة بالمسجد والقراءة فيه ونحو ذلك، فإذا أتى المسجد سلم على الرسول
صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، لكن لا يشد الرحل من أجل زيارة القبر فقط، بل من
أجل المسجد وتكون الزيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، وقبر الصديق، وعمر رضي الله
عنهما تابعة لزيارة المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة
مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))،
فالقبور لا تشد إليها الرحال
وأما ما يتعلق بالاستغفار: فهذا يكون في حياته لا بعد وفاته، والدليل على
هذا أن الصحابة لم يفعلوا ذلك، وهم أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأفقه
الناس في دينه، ولأنه عليه السلام لا يملك ذلك بعد وفاته، عليه السلام، كما قال صلى
الله عليه وسلم:
(إذا مات
ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو
له)
وأما ما أخبر به عليه الصلاة والسلام أن من صلى عليه تعرض صلاته عليه فذلك شيء خاص يتعلق بالصلاة عليه، ومن صلى عليه صلى الله عليه بها عشرا، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي)) قيل: يا رسول الله كيف وقد أرمت؟ أي بليت، قال ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) فهذا حكم خاص بالصلاة عليه. وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام))، فهذا شيء خاص للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يبلغ ذلك
وأما أن يأتي من ظلم نفسه ليتوب عند القبر ويستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو
منكر ولا يجوز وهو وسيلة للشرك، مثل أن يأتي فيسأله الشفاعة أو شفاء المريض أو
النصر على الأعداء أو نحو ذلك، أو يسأله أن يدعو له فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس من
خصائصه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ولا من خصائص غيره، فكل من مات لا يدعى ولا
يطلب منه الشفاعة لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره
وإنما الشفاعة تطلب منه في حياته، فيقال: يا
رسول الله اشفع لي أن يغفر الله لي، اشفع لي أن يشفي الله مريضي، وأن يرد غائبي،
وأن يعطيني كذا وكذا، وهكذا يوم القيامة بعد البعث والنشور، فيشفع صلى
الله عليه وسلم في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، وهكذا يشفع في أهل الجنة حتى يدخلوا
الجنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم موجود
أما في البرزخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
فلا يسأل الشفاعة ولا يسأل شفاء المريض ولا رد الغائب ولا غير ذلك من الأمور، وهكذا
بقية الأموات لا يسألون شيئا من هذه الأمور، بل يدعى لهم ويستغفر لهم إذا كانوا
مسلمين، وإنما تطلب هذه الأمور من الله سبحانه، ويقول عز
وجل:
"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" [البقرة186].
*******************
سماحة الشيخ العلامة بن باز رحمه الله