التوبة المقبولة الصحيحة لها علامات

الحمد لله
فالتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات
منها: أن يكون بعد التوبة خيرا مما كان قبلها

ومنها: أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه:
{أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} 
 فهناك يزول الخوف

ومنها: انخلاع قلبه وتقطعه ندما وخوفا وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى:
{لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم} 
قال: تقطعها بالتوبة ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه 
 
وهذا حقيقة التوبة لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفا من سوء عاقبته فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة.

ومن موجبات التوبة الصحيحة أيضا: كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب لا تحصل بجوع ولا رياضة ولا حب مجرد وإنما هي أمر وراء هذا كله تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحا ذليلا خاشعا 
 
ولم يجد من ينجيه من سطوته ولم يجد منه بدا ولا عنه غناء ولا منه مهربا وعلم أن حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه وقد علم إحاطتة  بتفاصيل جناياته 
فيجتمع من هذه الأحوال كسرة وذلة وخضوع ما أنفعها للعبد وما أجدى عائدتها عليه! وما أعظم جبره بها وما أقربه بها من سيده! فليس شيء أحب إلى سيده من هذه الكسرة والخضوع والتذلل والإخبات والانطراح بين يديه والاستسلام له فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: 
 
 أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني أسألك بقوتك وضعفي وبغناك عني وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه وذل لك قلبه.

فهذا وأمثاله من آثار التوبة المقبولة فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتهم توبته وليرجع إلى تصحيحها فما أصعب التوبة الصحيحة بالحقيقة وما أسهلها باللسان والدعوى!
ولا حول ولا قوة إلا بالله
 
****************
من كتاب : مدارج السالكين -فصل منزلة التوبة - للإمام ابن القيم رحمه الله 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر