الاعتبار بتعاقب الزمان

الحمد لله رب العالمين

 الحمد لله الذي جعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار، إن الله جل وعلا بقدرته الباهرة وحكمته البالغة خلق الخلق في هذه الحياة، واستعمرهم في هذه الأرض، وقد أخبر عن سر هذا الخلق وحكمته، بقوله سبحانه: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] 

 

 

 فالإنسان في هذه الحياة الفانية، لم يخلق عبثاً، ولم يترك سداً، ولا يدري متى يأتيه الأجل؛ فلا ينفعه حين ذاك إلا صالح العمل، فجدير بالكيس الفطن الذي عرف حكمة خلق الله له في هذا الكون، أن يتزود من الأعمال الصالحة، ويستعد لما بعد الموت، ويأخذ العبرة من مرور الليالي والأيام، وتصرم الشهور والأعوام، على فناء هذا العالم، وسرعة زوال هذه الدار، وقصر مدتها، فيحفِّزه ذلك إلى العمل الذي يقربه لمولاه، ويحذِّره من الاغترار بدنياه، فيخسر دنياه وآخرته 

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }[فاطر:5]   

 

 

فالليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، مع حركات الأفلاك الدائرة، والآيات السائرة، والعبد يعيش في هذا الميدان الذي أعد للسباق الطويل، الذي لا يتقدم فيه إلا من عرف ربه، وذكر حقه، وشكر نعمه، ومن يجعل من فواصل السنين تواصل دأبٍ وعملٍ ونصب؛ لإحراز الراحة الكبرى { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين:6]

ومن يذهل عن هذه المعاني السامية، ويهيم وراء منافعه العاجلة، ولذاته الفانية فلا يعتبر ولا يتعظ بمرور الأيام والأعوام، فتلك أمارة الخسران، وعلامة الحرمان، عياذاً بالله.

واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة ولا يغترنَّ أحدكم بحلم الله عز وجل، والعبد بين مخافتين: بين آجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه وبين عاجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه  فكم ودعنا في هذا العام من أخٍ أو خليل أو قريب!  وأحدنا لا يدري هل يتم هذا العام  أو لا يدركه، فالموت الذي تخطانا إليهم سيتخطى غيرنا إلينا، فاعتبروا يا أولي الأبصار

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائك، واجعل مستقبل أيامنا خيراً من ماضيها، وقابل أعوامنا خيراً من سالفها 

****************

من خطب فضيلة الشيخ د.عبد الرحمن السديس حفظه الله 

http://www.alsudays.net/art/s/11/الاعتبار-بتعاقب-الزمان