شرح حديث : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
الحمد لله
عن أبي خالد حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا ، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما ،
وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما ))(189)
((البيِّعان)) أي : البائع والمشتري ، وأُطلق عليهما
اسم البيع من باب التغليب ، كما يقال: القمران : للشمس والقمر ، والعُمَران : لأبي
بكر وعمر ، فالبيعان يعني: البائع والمشتري
وقوله
((بالخيار)) أي : كل منهما يختار ما يريد ما لم
يتفرّقا ، أي : ما داما في مكان العقد لم يتفرقا فإنهما بالخيار
ومثاله:
رجل باع على آخر سيارة بعشرة آلاف ، فما داما في مكان العقد ولم يتفرقا فهما
بالخيار ، إن شاء البائع فسخ البيع ، وإن شاء المشتري فسخ البيع ، وذلك من نعمة
الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتوسيعه على العباد ، لأن الإنسان إذا كانت السلعة عند غيره
صارت غالية في نفسه يحب أن يحصل عليها بكل وسيلة ، فإذا حصلت له فربما تزول رغبته
عنها لأنه أدركها، فجعل الشارع له الخيار لأجل أن يتروَّى ويتزوَّد بالتأني والنظر
فما دام
الرجلان ـ البائع والمشتري ـ لم يتفرقا فهما بالخيار وإن طال الوقت ، حتى لو بقيا
عشر ساعات ، فلو باع عليه السلعة في أول النهار وبقيا مصطحبين إلى الظهر فهما
بالخيار ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ((ما لم
يتفرقا)) وفي حديث ابن عمر : ((أو يخير أحدهما الآخر )) (190) أي : أو
يقول أحدهما للآخر : الخيار لك وحدك ، فحينئذٍ يكون الخيار له وحده ، والثاني لا
خيار له . أو يقولا جميعا : لا خيار بيننا
وقول النبي
عليه الصلاة والسلام ((ما لم يتفرقا)) لم
يبيِّن التَّفرق ، ولكن المراد التفرقُ بالبدن ، يعني ما لم يتفرق أحدهما عن الآخر
، فإن تفرقا بطلَ الخيار ولزم البيع
قال النبي
صلى الله عليه وسلم ((فإن صدقا وبينا بُورك لهما في
بيعهما)) وهذا هو الشاهد من الحديث في الباب ؛ لأن الباب بابُ الصدق
قوله
((إن صدقا)) فيما يصفان السلعة به من الصفات
المرغوبة ، ((وبيَّنا)) فيما يصفان به السلعة من الصفات المكروهة , بُورك لهما في بيعهما
أما إذا كان لا يعلم العيب فلا بأس أن يبيعها، ويشترطُ أنه بريء من كل
عيب
^^^^^^^^^^^^^^
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من شرح رياض الصالحين
----------------------
(189) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتما ن في
البيع ، رقم (2082 )، ومسلم ، كتاب البيوع ، باب الصدق في البيع والبيان ، رقم
(1532 )
(190) أخرجه البخاري، كتاب البيوع ، باب إذا خير أحدهما صاحبه
بعد البيع فقد وجب البيع ، رقم (2112) ، ومسلم ، كتاب البيوع،
باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين ، رقم (1531 )