صفة المكر لله تعالى

الحمد لله
والمكر ؛ قال العلماء في تفسيره: إنه التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالخصم ؛ يعني : أن تفعل أسباباً خفية فتوقع بخصمك وهو لا يحس ولا يدري، ولكنها بالنسبة لك معلومة مدبرة
 
والمكر يكون في موضع مدحاً ويكون في موضع ذماً: فإن كان في مقابلة من يمكر؛ فهو مدح؛ لأنه يقتضي أنك أنت أقوى منه. وإن كان في غير ذلك؛ فهو ذم ويسمي خيانة
 
ولهذا لم يصف الله نفسه به إلا على سبيل المقابلة والتقييد؛ كما قال الله تعالى
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) {النمل50} ،( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ) {الأنفال30} 
 ولا يوصف الله سبحانه وتعالى به على الإطلاق ؛ فلا يقال : إن الله ماكر ! لا على سبيل الخبر ، ولا على سبيل التسمية , ذلك لأن هذا المعنى يكون مدحاً في حال ويكون ذماً في حال ؛ فلا يمكن أن نصف الله به على سبيل الإطلاق
 
فأما قوله تعالى (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) {آل عمران54} ؛ فهذا كمال ؛ ولهذا لم يقل: أمكر الماكرين بل قال ( وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ؛ فلا يكون مكره إلا خيراً ، ولهذا يصح أن نصفه بذلك ؛ فنقول: هو خير الماكرين. أو نصفه بصفة المكر في سبيل المقابلة؛ أي : مقابلة من يمكر به، فنقول: إن الله تعالى ماكر بالماكرين؛ لقوله تعالى )وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ)
 
الآية الثانية: في المكر ، وهي قوله )وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) {آل عمران54}
* هذه نزلت في عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، مكر به اليهود ليقتلوه ، ولكن كان الله تعالى أعظم منهم مكراً ، رفعه الله، وألقى شبهه على أحدهم، على الذي تولى كبره وأراد أن يقتله ، فلما دخل عليه هذا الذي يريد القتل ، وإذا عيسى قد رفع ، فدخل الناس ، فقالوا: أنت عيسى ! قال : لست عيسى ! فقالوا: أنت هو! لأن الله تعالى ألقى عليه شبهه، فقتل هذا الرجل الذي كان يريد أن يقتل عيسى بن مريم؛ فكان مكره عائداً عليه
 
الآية الثالثة: في المكر أيضاً وهي قوله (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) {النمل50} 
هذا في قوم صالح ، كان في المدينة التي كان يدعو الناس فيها إلى الله تسعة رهط-أي: أنفار - ) تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ){النمل49} ؛ يعني: لنقتلنه بالليل (ُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (النمل49) ؛ يعني : أنهم قتلوه بالليل ؛ فما يشاهدونه . لكن مكروا ومكر الله ! قيل: إنهم لما خرجوا ليقتلوه، لجئوا إلى غار ينتظرون الليل ؛ انطبق عليهم الغار ، فهلكوا، وصالح وأهله لم يمسهم سوء ، فيقول الله (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً)
(ومكرا( : في الموضعين منكرة للتعظيم ؛ أي : مكروا مكراً عظيماً، ومكرنا مكراً أعظم
 
ما نستفيده من الناحية المسلكية في إثبات صفة المكر 
المكر: يستفيد به الإنسان بالنسبة للأمر المسلكي مراقبة الله سبحانه وتعالى، وعدم التحيل على محارمه ، وما أكثر المتحيلين على المحارم ‍فهؤلاء المتحيلون على المحارم، إذا علموا أن الله تعالى خير منهم مكراً، وأسرع منهم مكراً ؛ فإن ذلك يستلزم أن ينتهوا عن المكر 
 
========== 
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من شرح العقيدة الواسطية -الصفحة الثانية 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر