تفسير: إني جاعل في الأرض خليفة
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)
قوله
تعالى: { إني جاعل في الأرض خليفة }؛ خليفة
يخلف الله؛ أو يخلف من سبقه؛ أو يخلف بعضهم بعضاً يتناسلون . على
أقوال:
أما الأول:
فيحتمل أن الله أراد من هذه الخليقة . آدم، وبنيه . أن يجعل منهم الخلفاء يخلفون
الله تعالى في عباده بإبلاغ شريعته، والدعوة إليها، والحكم بين عباده؛ لا عن جهل
بالله سبحانه وتعالى . وحاشاه من ذلك، ولا عن عجز؛ ولكنه يمنّ على من يشاء من
عباده، كما قال تعالى: {يا داوود إنا جعلناك خليفة في
الأرض فاحكم بين الناس} [ص: 26] : هو خليفة يخلف الله عزّ وجلّ في الحكم بين
عباده
والثاني:
أنهم يخلفون من سبقهم؛ لأن الأرض كانت معمورة قبل آدم؛ وعلى هذا الاحتمال تكون {
خليفة } هنا بمعنى الفاعل؛ وعلى الأول بمعنى
المفعول
والثالث:
أنه يخلف بعضهم بعضاً؛ بمعنى: أنهم يتناسلون: هذا يموت، وهذا يحيى؛ وعلى هذا
التفسير تكون { خليفة } صالحة لاسم الفاعل،
واسم المفعول..كل هذا
محتمل؛ وكل هذا واقع
لكن قول الملائكة: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء } يرجح أنهم خليفة لمن سبقهم، وأنه كان على الأرض مخلوقات قبل ذلك
تسفك الدماء، وتفسد فيها، فسألت الملائكة ربها عزّ وجلّ: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } كما فعل من
قبلهم . واستفهام الملائكة للاستطلاع، والاستعلام، وليس للاعتراض؛ قال تعالى: {
إني أعلم ما لا تعلمون }
يعني: وستتغير الحال؛
ولا تكون كالتي سبقت
==========
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من تفسير سورة البقرة