ظابط الحركة في الصلاة
الحمد لله
ليس لهذا ضابطٌ شرعيٌّ، بل هو راجع إلى العادة.فإذا قال النَّاس: هذا العملُ كثيرٌ في الصَّلاة. فهذا مستكثر وإن قالوا: هذا عملٌ يسيرٌ. فهو يسير
فإذا قال قائل: كيف نرجع إلى العادة في أمرٍ تعبُّدي؟
فالجواب: نعم؛ نرجع إلى العادة؛ لأن الشرع لم يحدِّدْ ذلك
فلم يقل الشَّارعُ مثلاً: مَنْ تحرَّك في صلاته ثلاث مرَّاتٍ؛ فصلاتُه باطلة. ولم يقل: مَن تحرَّك أربعاً فصلاتُه باطلة. ولم يقل: من تحرَّك اثنتين فصلاتُه باطلة. إذاً؛ يُرجع إلى العُرف، فإذا قال النَّاس: هذا عَمَلٌ ينافي الصَّلاة؛ بحيث مَن شاهد هذا الرَّجُل وحركاته؛ يقول: إنه لا يُصلِّي حينئذٍ يكون مستَكْثَراً، أما إذا قالوا: هذا يسيرٌ، فإنه لا يضرُّ
ولنضربْ لذلك أمثلة: لو كان مع الإِنسان وهو يُصلِّي صبيٌّ؛ فَحَمَله من أجل أن يُمسك عن الصِّياح فَيَسْلَم الصبيُّ من الأذى، ويُقْبِلَ هذا الرَّجلُ على صلاته؛ فَحَمَلَ الصبيَّ، وجعل إذا رَكَعَ وَضَعَه، وإذا سَجَدَ وضعه، وإذا قام حمله. فعندنا عدَّة حركات، حركة الحَمْل، وحركة الرَّفع، وحركة الوضع، وربما نقول: وتَحمُّلُ الحِمْل؛ لأن الصبيَّ إذا كان كبيراً فَسيَثْقُلُ على المصلِّي، فكلُّ هذا نعتبره يسيراً لا يبطل الصلاة، لأنَّ مثله حَصَلَ من النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم[680]
مثال آخر: قَرَعَ عليه الباب رَجُلٌ، والباب قريب، فتقدَّم وهو مستقبل القِبْلة، أو تأخَّر وهو مستقبل القِبْلة، أو ذهب على اليمين وهو مستقبل القِبْلة، أو على اليسار وهو مستقبل القِبْلة فَفَتَحَ الباب، فهذا العمل؛ إذا كان البابُ قريباً يسير لأنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم فتح البابَ لعائشة [681]
مثال آخر: رَجُلٌ معه دابة وهو يُصلِّي، وقد أمسك زمامَها بيده، وجعلت الدَّابة تنازعه، وإذا نازعته فلا بُدَّ أن يكون منه حركة، إمَّا أن يجذبها، أو ينَقاد معها. فهذا يسيرٌ؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم مثلَ ذلك، كما في حديث أبي بَرْزَةَ الأسلمي رضي الله عنه»[682]
مثال آخر: رَجُلٌ أصابته حِكَّة أشغلته، إنْ سكتَ سكتَ وقلبُه منشغل، وإنْ تحرَّك وحكَّها بَردت عليه، وأقبل على صلاته، فالأَوْلَى أن يَحكَّها ويُقبل على صلاته؛ لأن هذا عمل يسير، وفيه مصلحة للصَّلاة
والعمل من غير جنس الصلاة يحتاج إلى زيادة قَيد، وهو: أن يكون متوالياً لغير ضرورة، لأنه إذا كان لضرورة فإنه لا يبطل الصَّلاة ـ ولو كَثُرَ ـ لقوله تعالى:{ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239] ومعلوم أن الرِّجَال سيكون منهم عملٌ كثير، والرِّجَال: الذين يمشون على أرجلهم
وكذلك لو كان غيرَ متوالٍ؛ بحيث يقوم بعملٍ في كلِّ رَكعة يسيراً، وبمجموعه في الركعات يكون كثيراً فإن الصَّلاة لا تبطل به؛ لأنه لا ينافي الصَّلاة
============
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الثالث باب سجود السهو
-----------------------
[680] وهو حَمْلُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أُمامةَ بنت زينب، وقد تقدم تخريجه ص(257)
[681] تقدم تخريجه ص(256)
[682] أخرجه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة (1211