لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة
الحمد لله
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ..... الحديث ))[1]
(( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ..... الحديث ))[1]
أولاً:
عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم أما في منشئه فإن أمه مريم رضي الله عنها حملت به من غير أب ولا يستعصي على قدرة الله شيء ،ولما وضعت الولد أتت به قومها تحمله ، تحمل طفلاً وهي لم تتزوج ، فقالوا لها يعرضونها بالبغاء ، قالوا ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً )28مريم
يعني كأنهم يقولون : من أين جاءك الزنى ـ نسأل الله العافية ـ وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية ؟ ، فألهمها الله عزَّ وجلَّ فأشارت إلى الطفل ، أشارت إليه فكأنهم سخروا بها ، قالوا ( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً )29مريم ,، هذا غير معقول !
ولكنه التفت إليهم وقال هذا الكلام البليغ العجيب. قال ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)(30-33)مريم
أما الثاني:
فهو صاحب جريج ، وجريج رجل عابد انعزل عن الناس والعزلة خير إذا كان في الخلطة شر
وبنى صومعة ـ يعني مكاناً يتعبد فيه لله عز وجل ـ فجاءته أمه ذات يوم وهو يصلي فنادته فمضى في صلاته وجاءته مرة ثانية ثم استمر في صلاته ، فجاءته مرة ثالثة فدعته، ثم استمر في صلاته، فأدركها الغضب
وقالت (( اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات)) أي الزواني ؛ حتى ينظر في وجوه الزواني والعياذ بالله والإنسان إذا نظر في وجوه الزواني افتتن ؛ لأن نظر الرجل إلى المرأة فتنة . فكيف إذا كانت والعياذ بالله زانية بغية ؟ ! فأشد فتنة ؛ لأنه ينظر إليها على أنها تمكنه من نفسها فيفتتن
ويستفاد من هذا الحديث أن الوالدين إذا نادياك وأنت تصلي ، فإن الواجب إجابتهما ، لكن بشرط ألا تكون الصلاة فريضة ، فإن كانت فريضة فلا يجوز أن تجيبهما ، لكن إذا كانت نافلة فأجبهما إلا إذا كانا ممن يقدرون الأمور قدرها ، وأنهما إذا علما أنك في صلاة عذراك فهنا أشر إليهما بأنك في صلاة أما الفريضة فلا تقطعها لأحد ، إلا عند الضرورة
ذهبت هذه المرأة إلى جريج لتفتنه ولكنه لم يلتفت إليها ، فذهبت إلى الراعي فزنى بها والعياذ بالله ، فحملت منه ثم قالوا : إن هذا الولد ولد زنى من جريج ـ رموه بهذه الفاحشة العظيمة ـ فأقبلوا عليه يضربونه وأخرجوه من صومعته وهدموها
فطلب منهم أن يأتوا بالغلام الذي من الراعي ، فلما أتوا به ، ضرب في بطنه ، وقال : من أبوك ؟ ـ وهو في المهد ـ فقال : أبي فلان ، يعني ذلك الراعي
فطلب منهم أن يأتوا بالغلام الذي من الراعي ، فلما أتوا به ، ضرب في بطنه ، وقال : من أبوك ؟ ـ وهو في المهد ـ فقال : أبي فلان ، يعني ذلك الراعي
فأقبلوا إلى جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا له : هل تريد أن نبني لك صومعتك من ذهب ؟ لأنهم هدموها ظلماً ، قال : لا ، ردوها على ما كانت عليه من الطين ، فبنوها له
وأما الثالث
الذي تكلم في المهد، فهو هذا الصبي الذي مع أمه يرضع ، فمر رجل على فرس فارهة وعلى شارة حسنة ، وهو من أكابر القوم وأشرافهم ، فقالت أم الصبي : اللهم اجعل ابني هذا مثله ، فترك الصبي الثدي وأقبل على أمه بعد أن نظر إلى هذا الرجل ، فقال : اللهم لا تجعلني مثله
ثم أقبلوا بجارية ؛ امرأة يضربونها ويقولون لها : زنيت ، سرقت ؛ وهي تقول : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فقالت المرأة أم الصبي وهي ترضعه : اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فأطلق الثدي ، ونظر إليها ، وقال : اللهم اجعلني مثلها
فتراجع الحديث مع أمه ؛ طفل قام يتكلم معها ، قالت : إني مررت أو مرّ بي هذا الرجل ذو الهيئة الحسنة فقلت : اللهم اجعل ابني مثله ، فقلت أنت : اللهم لا تجعلني مثله ، فقال : نعم ؛ هذا رجل كان جباراً عنيداً فسألت الله ألا يجعلني مثله
أما المرأة فإنهم يقولون : زنيت وسرقت ، وهي تقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، فقلت : اللهم اجعلني مثلها . أي اجعلني طاهراً من الزنى والسرقة مفوضاً أمري إلى الله ، في قولها : حسبي الله ونعم الوكيل
وفي هذا آية من آيات الله
والحاصل أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ، فقد يحصل من الأمور المخالفة للعادة ما يكون آية من آياته إما تأييداً لرسوله أو تأييداً لأحد من أوليائه
============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من شرح رياض الصالحين المجلد الثالث
باب فضل ضعـفة المسلمين والفقراء والخاملين
مختصر من شرح رياض الصالحين المجلد الثالث
باب فضل ضعـفة المسلمين والفقراء والخاملين
--------------------------------
[1] متفق عليه رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ) رقم (3436 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة ، رقم ( 2550 )
[1] متفق عليه رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ) رقم (3436 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة ، رقم ( 2550 )