مسألة إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين بين التأويل والتكذيب
هل ثبت إنكار ابن مسعود للمعوذتين من جهة أنهما نزلا قرآنا و كان يراهما نزلا للدعاء؟
الحمد لله
ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ من أجلاء الصحابة السابقين وأوعية العلم وقراء القرآن، وهو من الأربعة الذين كان صلى الله عليه وسلم يأمر بأخذ القرآن منهم، كما في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد،، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة
وأما ما روي عنه في المعوذتين فقد عارضه ما هو أصح منه وهو نقل أئمة القراء لهما عنه، فقراءة عاصم وحمزة والكسائي مسندة بالأسانيد المتصلة بابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كما قال الداني والجزري وقد ثبتت المعوذتان في هذه القراءات وهذه مصاحف العالم اليوم برواية حفص عن عاصم وفيها المعوذتان.
وقد أنكر بعض أهل العلم ما روي عن ابن مسعود فيهما، فقد قال ابن حزم في المحلى: كل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين، وأم القرآن لم يكونا في مصحفه، فكذب موضوع لا يصح، وإنما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود فيها أم القرآن، والمعوذتان. اهـ.
وقد تابع النووي ابن حزم في ذلك فقال في المجموع: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن, وأن من جحد شيئا منه كفر, وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل, ليس بصحيح عنه، قال ابن حزم في أول كتابه المحلى: هذا كذب على ابن مسعود موضوع, وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عن ابن مسعود, وفيها الفاتحة والمعوذتان. اهـ.
وقد ذكر ابن حجر أنه ثبت ذلك عنه، وقد ذهب أهل العلم في تفسير ذلك لعدة مناح وأحسنها ما قال الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرآن: يحتمل أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين والفاتحة على فرض صحته, كان قبل علمه بذلك فلما تبين له قرآنيتهما بعد تم التواتر وانعقد الإجماع على قرآنيتهما كان في مقدمة من آمن بأنهما من القرآن. اهـ.
قال الزرقاني: ولعل هذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس، لأن قراءة عاصم عن ابن مسعود ثبت فيها المعوذتان والفاتحة وهي صحيحة ونقلها عن ابن مسعود صحيح وكذلك إنكار ابن مسعود للمعوذتين جاء من طريق صححه ابن حجر، إذا فليحمل هذا الإنكار على أولى حالات ابن مسعود جمعا بين الروايتين. اهـ.
**********
مختصر من فتاوى الشبكة الإسلامية