البدع ومحدثات الأمور
الحمد لله
والبدع هي الأشياء التي يبتدعها الإنسان ، هذا هو معناها في اللغة العربية ، ومنه
قوله تعالى:
( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (البقرة:117)
أي خالقها على غير مثال
سبق ، يعني لم يسبق لهما نظير ، بل ابتدعهما وأنشأهما أولاً
والبدعة في
الشرع كل من تعبد لله سبحانه وتعالى بغير ما شرع عقيدة أو قولاً أو فعلاً ، فمن
تعبد لله بغير ما شرعه الله من عقيدة أو قول أو فعل فهو مبتدع
وليعلم أن
الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة
* أن ما
ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة ، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
فهو الحق وقد قال الله تعالى ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)
(يونس:32) هذا دليل القرآن
ودليل السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة
ضلالة ) ، ومعلوم أن المؤمن لا يختار أن يتبع طريق الضالين
الذين يتبرأ منهم المصلي في كل صلاة
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
*صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا
الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6،7)
* أن في
البدعة خروجاً عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى ( قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (آل عمران:31) ، فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها ، فيكون
خارجاً عن شرعة الله فيما ابتدعه
* أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام ، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل , أنه كمل الإسلام بهذه البدعة ، وقد قال الله تعالى
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة3)
فيقال لهذا المبتدع : أنت الآن أتيت بشريعة غير التي كمل عليها
الإسلام ، وهذا يتضمن الطعن في الإسلام وإن لم يكن الطعن فيه باللسان ، لكن الطعن
فيه هنا بالفعل ، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أين الصحابة عن هذه
العبادة التي ابتدعها ؟ أهم جهل منها ؟ أم في تقصير عنها ؟ إذاً فهذا يكون طعناً في
الشريعة الإسلامية
* أنه يتضمن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة أما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها ، وحينئذ يكون جاهلاً ، وإما أن يكون قد علم بها ولكنه كتمها ،وحينئذ يكون كاتماً للرسالة أو بعضها، وهذا خطير جداً
* أن البدعة
تتضمن تفريق الأمة الإسلامية ؛ لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار
هذا يبتدع شيئاً وهذا يبتدع شيئاً ، كما هو الواقع الآن ،
فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح كما قال تعالى ( كُلُّ حِزْبٍ
بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 32) كل حزب يقول الحق معي ، والضلال مع
الآخر ، وقد قال الله تعالى لنبيه ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)الأنعام
* أن البدعة
إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السنة ، ولهذا
قال بعض السلف : ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها ، يعني أو أشد
فالبدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية
* من
المفاسد أيضاً : أن المبتدع لا يحكم الكتاب والسنة ؛ لأنه يرجع إلى هواه ، يحكم
هواه ، وقد قال الله تعالى ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )
(النساء:59) (إِلَى اللَّهِ ) أي كتابه عز وجل ، (وَالرَّسُولِ ) أي إليه في حياته
وإلى سنته بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه ، والله الموفق
**********************
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من شرح رياض الصالحين - باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور