تفسير: وهو معكم أين ما كنتم

بسم الله الرحمن الرحيم  
قال تعالى "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ "[الحديد:4]
 قوله تعالى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ الضمير﴿هو﴾ يعود على الله أي: الله سبحانه وتعالى مع عباده أينما كانوا وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل بنا علما وقدرة وسلطانا وتدبيرًا وغير ذلك 

 ولا نعني أنه سبحانه وتعالى معنا في نفس المكان الذي نحن فيه؛ لأن الله فوق كل شيء، كما قال الله تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]  وقال تعالى ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك:16] ، وقال ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255] 

 لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته، هو عليّ في دُنُوِّه، قريب في علوِّه جل وعلا، كما قال الله تعالى ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة:186] 

 ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض، لأننا لو توهمنا هذا، لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالى وأيضاً فإن الله سبحانه لا يسعه شيء من مخلوقاته ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [البقرة:255]
 
واعلم أن المعيَّة التي أضافها الله إلى نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن.فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسلطانا وتدبيراً وغير ذلك، مثل هذه الآية ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم﴾ ومثل قوله تعالى:﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾ [المجادلة:7] 
 
وتارةً يكون المراد بها التهديد والإنذار، كما في قوله تعالى ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾ [النساء:108] ، فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يُبَيِّتُوا ما لا يرضى من القول يكتمونه عن الناس، يظنون أن الله لا يعلم، والله- سبحانه - عليم بكل شيء
 
وتارةً يُراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]، وكما في قوله تعالى:﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:35] ، والآيات في هذا كثيرة
 
وكما في قوله ـ سبحانه ـ لموسى وهارون ، لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طـه: 45،46] 
 
الله أكبر ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟ لا يمكن ، فهذه معيَّة خاصة مقيَّدة بالعين  ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
 
المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع الخلق ، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته ، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك كيف يكون الله معنا وهو في السماء ؟ 
نقول : الله ـ عز وجل ـ لا يقاس بخلقه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
 
=======
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى 
مختصر من شرح رياض الصالحين باب المراقبة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر