ما ظنك باثنين الله ثالثهما
الحمد لله
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا
فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال:
( ماظنك يا أبا بكر
باثنين الله ثالثهما)(1)
قوله
((ما ظنُّكَ يا أبا بكرٍ باثنَينِ الله
ثالِثُهُما)) أي: ما ظنُّك، هل أحد يقدر عليهما أو ينالهما بسوء؟
وهذه القصة
كانت حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة
ولما سمع المشركون بخروجه من مكة، جعلوا لمن جاء به
مئتي بعير، ولمن جاء بأبي بكر مائة بعير، وصار الناس يطلبون الرجلين في الجبال، وفي
الأودية وفي المغارات، وفي كل مكان، حتى وقفوا على الغار الذي فيه النبي صلى الله
عليه وسلم وأبو بكر، وهو غار ثور الذي اختفيا فيه ثلاث ليال، حتى يبرد عنهما الطلب
فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصَرَنا، لأننا
في الغار تحته، فقال ((ما ظنُّكَ باثْنَينِ اللهُ
ثالثُهُما)) وفي كتاب الله أنه قال ﴿لا
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾[التوبة40]، فيكون قال الأمرين كلاهما، أي: قال
((ما ظنُّكَ باثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهُما)) وقال
﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾
وفي هذه القصة: دليل على كمال توكُّل النبي صلى الله عليه وسلم
على ربه، وأنه معتمد عليه، ومفوض إليه أمره، وهذا هو الشاهد من وضع هذا الحديث في
باب اليقين والتوكل
وفيه دليل على أن قصَّة نسج العنكبوت غير صحيحة
فما يوجد في بعض التَّواريخ، أن العنكبوت نَسَجَت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة، وأن المشركين لما جاءوا إلى الغار قالوا هذا ليس فيه أحد، فهذه الحمامة على غصن شجرة على بابه، وهذه العنكبوت قد عشَّشَت على بابه
فما يوجد في بعض التَّواريخ، أن العنكبوت نَسَجَت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة، وأن المشركين لما جاءوا إلى الغار قالوا هذا ليس فيه أحد، فهذه الحمامة على غصن شجرة على بابه، وهذه العنكبوت قد عشَّشَت على بابه
كل هذا لا صحة
له، لأن الذي مَنَعَ المشركين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه
ليست أمورًا حسية- تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية، وآية من آيات الله عز
وجل
أما لو كانت أمورًا حسية، مثل العنكبوت التي نسجت، والحمامة،
والشجرة، فكلها أمور حسية، كلٌّ يختفي بها عن غيره، لكن الأمر آية من آيات الله عز
وجل، فالحاصل أن ما يُذكر في كتب التاريخ في هذا لا صحة له، بل الحق الذي لا شك
فيه، أن الله - تعالى - أعمى أعيُنَ المشركين عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم
وصاحبه- رضي الله عنه- في الغار. والله الموفق
^^^^^^^^^^^^^^
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من شرح رياض الصالحين (باب اليقين والتوكل)
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18017.shtml
------------------------------
(1) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
------------------------------
(1) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ...﴾، رقم(4663)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رقم(2381