تفسير: لتركبن طبقاً عن طبق

بسم الله الرحمن الرحيم
  ‏فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ 
[16:19 الانشقاق] 
 
فالقسم في قوله:{ فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ } قد يظن الظان أن معنى (لا أقسم) نفي، وليس كذلك؛ بل هو إثبات و(لا) هنا جيء بها للتنبيه ولو حذفت في غير القرآن لاستقام الكلام
أما المُقسِم فهو الله عز وجل، وأما المُقسَم به في الآية فهو الشفق وما عُطف عليه 

فإن قال قائل: لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم؟ وكذلك يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم؟ 
قلنا: إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن نزل باللسان العربي.وإذا كان من عادة العرب أنهم يؤكدون الكلام بالقسم، صار هذا الأسلوب جارياً على لسانهم 
 
وقوله: {بالشفق} الشفق هو: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء
 
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } الليل معروف، فما معنى (ما وسق)؟ أي: ما جمع؛ لأن الليل يجمع الوحوش، والهوام، وما أشبه ذلك، فتجتمع وتخرج، تبرز من جحورها وبيوتها، وكذلك ربما يشير إلى اجتماع الناس بعضهم إلى بعض

{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } القمر معروف، ومعنى إذا اتسق، أي: إذا اجتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ } والخطاب هنا لجميع الناس أي: لتركبن حالاً عن حال، يشير إلى أن الأحوال تتغير، فيشمل أحوال الزمان، وأحوال المكان، وأحوال الأبدان، وأحوال القلوب، انتبه! يتضمن أربعة أشياء 
  
أحوال الزمان: نعرف أنها تتنقل  فيوم يكون فيه السرور ويوم آخر يكون بالعكس 
كذلك في أحوال الأمكنة: ينزل الإنسان هذا اليوم منزلاً، وفي اليوم الثاني منزلاً آخر، وثالثاً ورابعاً إلى أن تنتهي به المنازل في 
 
 أحوال الأبدان: الأبدان يركب الإنسان فيها طبقاً عن طبق،أول ما يخلق الإنسان يكون طفلاً صغيراً، كائناً ضعيفاً، ثم لازال يقوى رويداً رويداً حتى يكون شاباً جلداً قوياً، ثم إذا استكمل القوة عاد فرجع إلى الضعف مرة ثانية،هذه حال الأبدان

أما أحوال القلوب :وما أدراك ما أحوال القلوب! أحوال القلوب هي البلية.. هي المصيبة.. هي النعمة.. هي النقمة،القلوب لها أحوال عجيبة، تارة يتعلق القلب بالدنيا، فيكون المال أكبر همه،وتارة يتعلق بالنساء، وتارة بالقصور والمنازل، وتارة يتعلق بالمركوبات والسيارات، ويكون ذلك أكبر همه

وتارة يكون مع الله عز وجل، دائماً يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ويرى أن الدنيا كلها وسيلة إلىعبادة الله، وإلى طاعة الله؛ فيستخدم الدنيا؛ لأنها خُلقت له، ولا يجعل الدنيا تستخدمه، فانظروا -يا إخواني- أصحاب الدنيا هل تظنون أن الدنيا تخدمهم أم يخدمونها؟هم الذين يخدمونها، هم الذين أتعبوا أنفسهم في تحصيلها، لكن أصحاب الآخرة هم الذين استخدموا الدنيا وخدمتهم الدنيا، ولذلك لا يأخذونها إلا عن طريق رضى الله، ولا ينفقونها إلا في رضى الله عز وجل، فاستخدموها أخذاً وصرفاً

القلوب هي أعظم الحالات الأربع، ولهذا يجب علينا جميعاً  أن نراجع قلوبنا كل ساعة وكل لحظة،أين يعيش القلب؟ بماذا ينشغل؟ لماذا ينصرف عن الله؟ لماذا يلتفت يميناً وشمالاً؟  إذن فالقلوب تركب طبقاً عن طبق 


============ 
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى 
 http://audio.islamweb.net/audio/index.php?     
   page=FullContent&audioid=111426


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر