الجمع بين حديثي : كل أمتي معافى و إذا خلى بمحارم الله

نص الحديثين موضع الإشكال :
أ. عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )[1]
 
ب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ )[2]
 
الربط بينهما: أن من الناس من يتبجح بفعل المعصية، فيفعل المعصية سراً لا يطلع عليه أحد، ثم ينشرها في الناس إذا أصبح، ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا، وهذا لا شك أنه ليس في عافية لأمور:
أولاً: لأنه هتك ستر الله عليه.ثانياً: لأنه تبجح بمعصية الله.ثالثاً: أن هذا وسيلة إلى أن يقتدي به غيره، وما أكثر هذا في الذين يسافرون إلى بلاد خليعة ثم يرجع ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا في الفندق الفلاني، ومع العاهرة الفلانية، وما أشبه ذلك، هؤلاء ليسوا في عافية ولا شك. 
 
 أما الإنسان الذي يترك المعصية أمام الناس ولكن يفعلها إذا خلا، ولم يمنعه من هذا إلا الحياء، وهو مع هذا في الخفاء خائف من الله عز وجل، ويخشى أن الله سبحانه وتعالى يعاقبه ولو بقسوة القلب؛ فهذا لا يذم.
 
المشكل: الذي يرائي الناس بفعل الطاعات، وكذلك لا يخاف الله بالغيب، وأما رجل يخاف الله لكنه في العلانية يخجل من الناس وفي السر تغلبه نفسه ومع ذلك فهو خائف من ربه؛يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر ، ويكره هذه المعصية ، ويمقتها ، ويرزقه الله الندم ، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم ، والحرقة ، ويتألم : فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل ؛ لأنه - في الأصل - معظِّم لشعائر الله ، لكن غلبته شهوته ، فينكسر لها فهذا لا لوم عليه، لكن يجب عليه أن يحاول ترك المعصية بقدر استطاعته 
 
=============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله
 بتصرف من فتاوى اللقاء الشهري 59 
------------------
[1] رواه ابن ماجه ( 4245 ) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه 
[2]  رواه البخاري ( 5721) ومسلم ( 2990 )

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

تليين القلب الحجر