آية الرجم
السؤال: قد قرأت خطبة لعمر بن الخطاب إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله تعالى، إلى آخر الخطبة، فبحثت آية الرجم فوجدت في كتاب بلوغ المرام ص 271 وهي قوله تعالى:"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما"
***
هذا الحديث الذي ذكره السائل عن عمر رضي الله عنه ثابت عنه في الصحيحين وأن الآية نزلت في كتاب الله وقرأها الصحابة ووعوها وحفظوها وطبقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء بعده، وهي حق بلا شك، لكن هذه الآية مما نسخ لفظه وبقي معناه
وقد ذكر أهل العلم أن النسخ في كتاب الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام الأول:
ما نُسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا أكثر ما وقع في القرآن، والثاني: ما نُسخ لفظه وبقي حكمه، والثالث: ما نُسخ لفظه وحكمه
فمثال الأول قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ثم قال بعدها ناسخاً لها (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) فهذا نُسخ حكمه وبقي لفظه، بقي لفظه تذكيراً للأمة بما أنعم الله عليهم من التخفيف وكذلك إبقاءً لثوابه بتلاوته
أما القسم الثاني وهو: ما نُسخ لفظه وبقي حكمه فمثل هذه الآية، آية الرجم فإن حكمها باق إلى يوم القيامة وكانت مقروءة وموجودة لكنها نُسخ لفظها، والحكمة في نسخ لفظها -والله أعلم- بيان فضل هذه الأمة نُسخ لفظ التلاوة التي تثبت رجم الزاني لكن الأمة الإسلامية طبقت هذا الحكم على الرغم من كون اللفظ منسوخاً مما يدل على فضلها وعلى امتثالها لأمر الله عز وجل وعدم تحايلها على إبطال شريعته هذا هو الذي يظهر لي من الحكمة في نسخ لفظها
والآية التي أشار إليها الأخ في السؤال وهو "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما.." لا تطابق الحكم الثابت الآن، لأن الحكم الثابت الآن معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، والآية إن صحت "الشيخ والشيخة.." تعلق الحكم بالشيخوخة لا بالإحصان، وبينهما فرق فقد يكون الشيخ غير محصن -يعني لم يتزوج- ومع ذلك لا يُرجم ومقتضى الآية أن يُرجم لأنه شيخ، وقد يكون المحصن شاباً فيرجم ومقتضى الآية إن صحت أنه لا يرجم
ولذلك هذه الآية "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم"، في القلب من صحتها شيء وإن كانت قد وردت في السنن وفي المسند وفي ابن حبان، لكن في القلب منها شيء لأن حديث عمر رضي الله عنه الذي أشار إلى آية الرجم قال :"وإن الرجم حق ثابت في كتاب الله على من زنا إذا أحصن"، إذا أحصن فمقتضى هذا اللفظ الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة
ولهذا يجب التحرز من القول بأن الآية المنسوخة بهذا اللفظ أي بلفظ "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.." لأن إثبات أن هذه هي الآية المنسوخة معناها إثبات أنها من كلام الله، وكلام الله سبحانه وتعالى حسب الحكم الشرعي الثابت الآن مقيد بالإحصان لا بالشيخوخة وهو في الحديث الذي في الصحيحين عن عمر يدل أيضاً على أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة
الثالث: ما نُسخ لفظه وحكمه، ومثلوا له بحديث عائشة -رضي الله عنها- الثابت في صحيح مسلم :"كانت فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمهن" فإن هذا العشر نسخت لفظاً وحكماً ثم استقر الحكم على خمس معلومات
=============
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله