تفسير : فذكر إن نفعت الذكرى
الحمد لله
يعني ذكر الناس، ذكرهم بآيات الله، ذكرهم بأيام الله، عظهم، {إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} يعني في محل تنفع فيه الذكرى، وعلى هذا فتكون {إِن} شرطية والمعنى إن نفعت الذكرى فذكر، وإن لم تنفع فلا تذكر، لأنه لا فائدة من تذكير قوم نعلم أنهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.
وقال بعض العلماء:
المعنى ذكر على كل حال، إن كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذكرى فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنه لا يُذكر إلا إذا نفعت، بل المعنى ذكر إن كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير، فالمعنى على هذا القول: ذكر بكل حال، والذكرى سوف تنفع. تنفع المؤمنين، وتنفع الُمذكِّر أيضًا، فالمذكر منتفع على كل حال، والمذكر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفع بها فإن ذلك لا ينقص من أجر المذكر شيئًا، فذكر سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع.
وقال بعض العلماء:
إن ظن أن الذكرى تنفع وجبت، وإن ظن أنها لا تنفع فهو مخير إن شاء ذكر وإن شاء لم يذكر.
ولكن على كل حال نقول:
لابد من التذكير حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب، وإما حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرم، قال الناس: لو كان هذا محرمًا لذكَّر به العلماء، أو لو كان هذا واجبًا لذكَّر به العلماء، فلابد من التذكير ولابد من نشر الشريعة سواء نفعت أم لم تنفع.
ثم ذكر الله عز وجل من سيذكر ومن لا يتذكر فقال: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} فبين تعالى أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين: القسم الأول: من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفًا عن علم بعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذكر بآيات ربه تذكر كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73]. فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع
. أما القسم الثاني: فقال: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} أي يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها الأشقى و{الأَشْقَى} هنا اسم تفضيل من الشقاء وهو ضد السعادة فالأشقى المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى
*************
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
من تفسير سورة الأعلى