إطلاق الهداية والإضلال وتقييدها
بسم الله الرحمن الرحيم
في كثير من الآيات يخبر الله بأنه يهدي من
يشاء، ويضل من يشاء وبسط الرزق وتقديره، يدل ذلك على
كمال توحيده وانفراده بخلق الأشياء، وتدبير جميع الأمور، وأن خزائن الأشياء كلها
بيده، يعطي ويمنع ويخفض ويرفع، فيقتضي مع ذلك من العباد أن يعترفوا بذلك، وأن
يعلقوا أملهم ورجاءهم به وحده في حصول كل ما يحبون منها، ودفع كل ما يكرهون، وأن لا
يسألوا أحداً غيره
وفي بعض الآيات: يذكر
فيها أسباب ذلك، ليعرف العباد الأسباب والطرق المفضية إليها، فيسلكوا النافع ويدعوا
الضار، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى
* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ
بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل5-10]
فبيَّن أن أسباب الهداية والتيسير إيمان العبد بحكمة ربه في سننه وخلقه وشرعه وأخذه بهذه السنن وانقياده لأمره الشرعي، وأن أسباب الضلال والتعسير ضد ذلك
فبيَّن أن أسباب الهداية والتيسير إيمان العبد بحكمة ربه في سننه وخلقه وشرعه وأخذه بهذه السنن وانقياده لأمره الشرعي، وأن أسباب الضلال والتعسير ضد ذلك
وكذلك قوله تعالى في صفة القرآن: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ} [المائدة: 16]، {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً
وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:
26] وقوله: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ
الضَّلالَةُ إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ} [الأعراف: 30]
فأخبر أن الله يهدي بالقرآن من كان قصده حسناً، ومن رغب
في الخير، واتبع رضوان الله، وأنه يضل من فسق عن سنن الله الحكيمة، وتمرد على الله،
وتولى أعداءه من شياطين الإنس والجن، ورضي بولايتهم عن ولاية رب العالمين
وكذلك
قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5] وقوله:
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:
110]
وكذلك يذكر في بعض الآيات الأسبابَ التي تنال بها المغفرة والرحمة، والتي
تحق بها كلمة العذاب، كقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا
يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}
[الأعراف: 156- 157] وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ
قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:
133]
ثم ذكر الأسبابَ التي تنال بها المغفرة والرحمة، وهي خصال التقوى المذكورة في
هذه الآية وغيرها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ
اللَّهِ} [البقرة: 218]، {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]
وأعم
من ذلك كله قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] فطريق الرحمة والمغفرة سلوك طاعة
الله ورسوله عموماً، وهذه الأسباب المذكورة خصوصاً
وأخبر أن العذاب له أسباب
متعددة، وكلها راجعة إلى شيئين: التكذيب لله ورسوله، والتولي عن طاعة الله ورسوله،
كقوله تعالى: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي
مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)} [الشمس: 15- 18] وقوله: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى
مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: 48]
وكذلك يذكر أسباب الرزق، وأنها لزوم
طاعة الله ورسوله، والسعي الجميل في مناكب الأرض مع لزوم التقوى كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2- 3] وانتظار الفرج والرزق
كقوله تعالى: {سَيَجْعَلُ
اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}[الطلاق7]
وكثرة الذكر والاستغفار: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ
فَضْلَهُ} [هود: 3]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً
(11)} [نوح: 10- 11] فأخبر أن الاستغفار سبب يُستجلب به مغفرة الله ورزقه
وخيره، وضد ذلك سبب للفقر والتيسير للعسرى
وأمثلة هذه القاعدة كثيرة وقد عرفت
طريقها فالزمه
=======
سماحة الشيخ العلامة السعدي رحمه الله تعالى
مختصرمن كتاب القواعد الحسان في تفسير القرآن