قصة مسجد الضرار

بسم الله الرحمن الرحيم 
وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (التوبة107) 
 
سبب نزول هذه الآيات الكريمات أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب وكان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، وله شرف في الخزرج كبير 
 
 فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم اللّه يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة وظاهر بها، وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش، يمالئهم على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحد، فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم اللّه عزَّ وجلَّ، وكانت العاقبة للمتقين 
 
 وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين، فوقع في إحداهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشج رأسه صلوات اللّه وسلامه عليه 
 
 وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه قالوا‏:‏ لا أنعم اللّه بك عيناً يا فاسق يا عدو اللّه، ونالوا منه وسبوه، فرجع وهو يقول‏:‏ واللّه قد أصاب قومي بعدي شر 
 
 وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد دعاه إلى اللّه قبل فراره وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرد، فدعا عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً، فنالته هذه الدعوة‏
 
‏ وذلك لما فرغ الناس من أحد، ورأى أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فوعده ومنَّاه وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه 
 
 وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم عنده لأداء كتبه، ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى تبوك 
 
 وجاءوا فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه اللّه من الصلاة فيه فقال‏ ‏(‏إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء اللّه‏)‏ 
 
 فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة 
 
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليحلفن‏}‏‏:‏ أي الذين بنوه، ‏{‏إن أردنا إلا الحسنى‏}‏ أي ما أردنا ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس، قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يشهد إنهم لكاذبون‏}‏ أي فيما قصدوا وفيما نووا، وإنما بنوه ضراراً لمسجد قباء، وكفراً باللّه وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله من قبل، وهو أبو عامر الفاسق لعنه اللّه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لا تقم فيه أبدا‏}‏ نهي له صلى اللّه عليه وسلم والأمة تبع له في ذلك عن أن تقوم فيه‏:‏ أي يصلي أبداً 
 
*********************
مختصر تفسير ابن كثير للشيخ الصابوني رحمهم الله 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر