معنى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
سؤال: هل قوله - تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} يدل على أن الثواب لا يصل إلى الميت إذا أهدي له؟
قوله - تعالى- : {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} المراد - والله أعلم - أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً ، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً ؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره ؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به
قوله - تعالى- :
فمن ذلك:
1- الدعاء:فإن المدعو له ينتفع به بنص القرآن الكريم والسنة،وإجماع المسلمين ، قال الله -تعالى -لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وقال - تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) ؛وثبت عنه صلى الله عليه وسلم -أنه أغمض أبا سلمة، وقال : "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه"
. وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين ، ويدعو لهم ، ويزور المقابر ، ويدعو لأهلها ، واتبعته أمته في ذلك حتى صار هذا من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه..." .
وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" لأن المراد به عمل الإنسان نفسه ، لا عمل غيره له ؛ وإنما جعل دعاء الولد الصالح من عمله ؛ لأن الولد من كسبه، حيث إنه هو السبب في إيجاده ، فكأن دعاءه لوالده دعاء من الوالد نفسه - بخلاف دعاء غير الولد لأخيه ، فإنه ليس من عمله - وإن كان ينتفع به -
فالاستثناء الذي في الحديث من انقطاع عمل الميت نفسه لا عمل غيره له
ولهذا لم يقل : انقطع العمل له ، بل قال: (انقطع عمله) . وبينهما فرق بين.
2- الصدقة عن الميت : ففي صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي افتلتت نفسها (ماتت فجأة) ، وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم)
3- الصيام عن الميت: ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" والولي هو الوارث ؛ لقوله - تعالى-: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم}
4- الحج عن غيره: ففي الصحيحين -أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة؛ أفأحج عنه؟ قال: (نعم) وفي صحيح البخاري - أن امرأة من جهينة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : " نعم ، حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء" .
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم - ما يدل على جواز الحج عن الغير ، حتى من غير الولد: فعن ابن عباس- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول:لبيك عن شبرمة .قال: "من شبرمة"؟ قال:أخ لي أو قريب لي .قال: " حججت عن نفسك ؟" قال : لا . قال :
"حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"
5- الأضحية عن الغير: ولأحمد من حديث أبي رافع - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فيذبح أحدهما ويقول : " اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ" . ثم يذبح الآخر ويقول: "هذا عن محمد وآل محمد" . وما من شك في أن ذلك ينفع المضحى عنهم ، وينالهم من ثوابه ؛ ولو لم يكن كذلك لم يكن للتضحية عنهم فائدة
7- انتفاعات أخرى بأعمال الغير: كرفع درجات الذرية في الجنة إلى درجات آبائهم ، وزيادة أجر الجماعة بكثرة العدد ، وصحة صلاة المنفرد بمصافة غيره له ، والأمن والنصر بوجود أهل الفضل
فإذا تبين أن الرجل ينتفع بغيره وبعمل غيره ، فإن من شرط انتفاعه أن يكون من أهله ، وهو المسلم ؛ فأما الكافر فلا ينتفع بما أهدي إليه من عمل صالح، ولا يجوز أن يهدى إليه ، كما لا يجوز أن يدعى له ويستغفر له، قال الله - تعالى - : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}
قلت : أنصح بقراءة الموضوع كاملاً من الموقع
****************
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
مختصر من كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ -المجلد الثاني-باب البدعة