قوله صلى الله عليه وسلم: وسكت عن أشياء

الحمد لله
عَنْ أَبِيْ ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: 
(إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا 
 وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا) 
حديث حسن رواه الدارقطني وغيره  
 
" فَرَضَ"  أي أوجب قطعاً، لأنه من الفرض وهو القطع
" فَرَضَ فَرَائِضَ" 
مثل الصلوات الخمس، والزكاة، والصيام،والحج،وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ومالا 

" فَلا تُضَيِّعُوهَا" 
أي تهملوها فتضيع ، بل حافظوا عليها 
 
"وَحَدَّ حُدودَاً فَلا تَعتَدوها" 
الحد في اللغة المنع،  وفي الاصطلاح قيل:إن المراد بالحدود الواجبات والمحرمات 
فالواجبات حدود لا تُتعدى، والمحرمات حدود لا تقرب
الواجب نقول:لا تعتده أي لاتتجاوزه، والمحرم نقول: لا تقربه، هكذا في القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الأكل والشرب على الصائم قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا )(البقرة:229) 
ولما ذكر العدة وما يجب فيها قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقرَبُوهَا )[البقرة:187] 

"وَحَرَّمَ أَشيَاء""فَلا تَنتَهِكوهَا" 
أي فلا تفعلوها، مثل :الزنا، وشرب الخمر، والقذف، وأشياء كثيرة لا تحصى 

"وَسَكَتَ عَنْ أَشيَاء رَحمَةً لَكُمْ غَيرَ نسيَان فَلا تَبحَثوا عَنهَا" 
 سكت عن أشياء أي لم يحرمها ولم يفرضها 
قال: سكت بمعنى لم يقل فيها شيئاً ، ولا أوجبها ولا حرمها.

وقوله: "غَيْرَ نسيَان" 
 أي أنه عزّ وجل لم يتركها ناسياً ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(مريم: الآية64) ولكن رحمة بالخلق حتى لا يضيق عليهم

"فَلا تَبحَثوا عَنهَا" 
 أي لا تسألوا، أي لا تُنَقِّبُوا عنها،بل دعوها 
 
الفوائد من هذا الحديث
وصف الله عزّ وجل بالسكوت، هذا من تمام كماله عزّ وجل، أنه إذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم
أن ما سكت الله عنه فلم يفرضه، ولم يحده، ولم ينه عنه فهو الحلال
"فلا تَبحَثُوا عَنهَا".إلا إذا كان المراد بالبحث الاتساع في العلم كما يفعله طلبة العلم، فهذا لا بأس به، لأن طالب العلم ينبغي أن يعرف كل مسألة يحتمل وقوعها حتى يعرف الجواب، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يبحث، بل يمشي على ما كان عليه الناس 
انتفاء النسيان عن الله عزّ وجل، لقوله "غَيرَ نسيَان" وقد جاء ذلك في القرآن الكريم،فقال الله عزّ وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)[مريم: 64] وقال موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون لما سأله ما بال القرون الأولى (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه: 52) 

فإن قال قائل: ما الجواب عن قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)(التوبة: الآية67) فأثبت لنفسه النسيان؟ 
فالجواب:أن المراد:النسيان هنا نسيان الترك، يعني تركوا الله فتركهم. فهؤلاء تعمدوا الشرك وترك الواجب، ولم يفعلوا ذلك نسياناً. إذاً (نَسُوا اللَّهَ) [التوبة:67] أي تركوا دين الله (فَنَسِيَهُمْ) أي فتركهم 

أما النسيان الذي هو الذهول عن شيء معلوم فهذا لا يمكن أن يوصف الله عزّ وجل به، بل يوصف به الإنسان،لأن الإنسان ينسى، ومع ذلك لا يؤاخذ بالنسيان لأنه وقع بغير اختيار 
والله أعلم 

**********************
فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله   
مختصر من الحديث الثلاثون (شرح الأربعين النووية)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر