الرد على من يدعي أن جمع الرجل بين أكثر من أربع زوجات جائز ولا دليل على تحريمه

السؤال:ما الجواب على من يقول : " في عقيدتي أنا ، التعدد جائز شرعا سواء زوجتين  ، أو ثلاث  أو أربع ، أو خمس  ، أو ست ، أو تسع مثل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن , وأما قول الفقهاء إن هذا خاص بالنبي فهذا تصريف غير مقبول ! ولا دليل عليه ، وكذلك حديث " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد" ؟ 
 
الحمد لله
لا يحل لمن لم يعرف اللسان العربي الذي نزل القرآن به ، ولا يعرف السنة النبوية ، ولا مواضع إجماع العلماء ، لا يحل لمن هذا شأنه أن يتكلم في تفسير القرآن الكريم ، ولا أن يستدل به على الأحكام ، فإنه ، إن فعل ذلك : سوف يضل ضلالا مبينا ، وهذا السؤال مثال لذلك ، فإن هذا الشخص خالف القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وإجماع العلماء
 
وبيان ذلك :
قال الله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء/3
وهذه الآية الكريمة دلت على أن أكثر ما يتزوجه الرجل من النساء : أربع ، وهو ما فهمه العلماء منها ، وذلك من عدة وجوه:
 
1- أن الآية لم تذكر أكثر من أربع ، فيدل ذلك على أنه لا يجوز للرجل أن يتجاوز هذا العدد ،
2- لو كانت الآية تدل على عدم الحصر بعدد معين ، لكان ذكر العدد في في الآية لغو لا فائدة منه ، لأن العموم مستفاد من قوله (ما طاب لكم من النساء)
3- أن الآية سيقت في معرض الامتنان على الرجال بما أحل الله لهم ، فلو جاز للرجل أن يتزوج أكثر من أربع ، لكان ذكره في الآية أولى ، لأنه كلما كثرت النعم والمباحات ، كانت المنة أتم
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :" المقام مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره
انتهى من " تفسير ابن كثير " (2 / 209) 
 
وأما السنة النبوية فقد أكدت هذا الحكم وبينت أن الآية تدل على أنه لا يجوز للرجل أن يتجاوز هذا العدد :
روى الترمذي (1128) ، وابن ماجه (1953) عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ "[1]
 
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن معه ، فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال 
" انتهى من " تفسير ابن كثير " (2 / 211) 
 
وقد جاءت أحاديث أخرى بهذا المعنى :
فعَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْأَسَدِيِّ أو قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ : " أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَان نِسْوَةٍ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ) [2]

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
" فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن انتهاء الله عز وجل في العدد بالنكاح إلى أربع ، تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع 
 " انتهى من " الأم " (6 / 131)
 
وأما الإجماع ، فقد نقله عدد من أهل العلم ، على أنه لا يجوز للرجل أن يتجاوز هذا العدد

أما الاستدلال بزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع ، فهو استدلال باطل
لأن السنة وإجماع الأمة ، قد بينا أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، كما مرّ بيان ذلك والله تعالى يقول ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء /115
فيجب علينا الرجوع إلى السنة في فهم القرآن في جميع الأحوال ولا نتخيّر ونتبع الهوى
 
أما حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: 
( مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ : أَنْ يَقِلَّ العِلْمُ ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا ، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ ) [3] 
 فليس فيه دلالة على جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات ، للآتي :
 
1-الحديث في مقام الإخبار عن فتن آخر الزمان ، وليس في مقام بيان المباحات ، فالحديث فيه ( وَيَظْهَرَ الزِّنَا ) فهل يستدل به عاقل على إباحة الزنا ؟!
2- لفظة " القيّم " لا تطلق على الزوج فقط ؛ بل على كل من يقوم على شؤون المرأة وقضاء مصالحها ، فالرجل يجتمع عنده من البنات وبناتهن ومحارمه : ما يصل إلى الخمسين نفسا
 
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وقال القرطبي في التذكرة : يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن ، سواء كن موطوءات أم لا . ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله ، فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشرعي
" انتهى من " فتح الباري " (1 / 179) .والله أعلم 
 
===========
مختصر من موقع الإسلام سؤال وجواب 
----------------------
[1] قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
" وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طريقيه عن سالم عن ابن عمر . وقد صححه ابن حبان والحاكم والبيهقى وابن القطان ، لاسيما وفى معناه أحاديث أخرى "
انتهى من " ارواء الغليل " (6 / 294)
[2] "رواه أبوداود (2241) وحسنه الألباني في " ارواء الغليل " (6 / 295)
[3] رواه البخاري (81) ، ومسلم (2671)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر