يحتج بعض الناس بأن الله لم يوفقه للهداية

الحمد لله
 ليس لأحد أن يحتجَّ على كفره ومعاصيه بالقدر، ولا على ترك ما يجب عليه بأن الله لم يشأ ذلك له؛ فتلك حجة المشركين الذين قالوا (لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا)، وهي حجةٌ داحضةٌ عند ربهم، وهو الاعتذار لأنفسهم في شركهم، فشركهم أظلمُ الظلم، فلو صحَّت لهم هذه الحُجَّة لصحَّ لكل ظالم من قاتل وسارق ومفسد في الأرض أن يحتج بالقدر لدفع اللوم عن نفسه على قبيح فعله، وهذا هو الفساد العريض، فلا يستقيم على هذا التصور شيءٌ من أمر الدنيا والآخرة
 
وعلى ذلك فلا بد مع الإيمان بقدرته تعالى وعموم مشيئته من الإيمان بشرعه عز وجل، وهو أمره ونهيه على ألسن رسله، مع الإيمان بحكمته تعالى في شرعه وقدره، فلا يُتبع مقتضى شرعه بمقتضى قدره، ولا يُعارض بينهما 
والقدر يؤمَن به ولا يُحتجُّ به، والشرع يؤمَن به ويُعمل به 
 
 وهذا هو الصراط المستقيم في هذا المقام، وهو الجمعُ بين الإيمان بالشرع والقدر، والإيمانُ بالقدر يقتضي التسليم لله والاستعانة به والتوكل عليه، والإيمانُ بالشرع يقتضي طاعة الله ورسوله والانقياد للشرع، ويدخل في ذلك فعلُ الأسباب النافعة، وتركُ الأسباب الضارة، وكما أن هذا موجَب الشرع فهو موجَب العقل والفطرة 
 
 وقد جعل الله للسعادة أسبابا وللشقاوة أسبابا، كما جعل للرزق أسبابا ولتحصيل العلم أسبابا؛ فالذي يطلب الرزق وغيره من الحظوظ ويأخذ بأسباب ذلك، ولا يَعذر نفسه في التفريط بذلك، ثم يفرط في أسباب السعادة في الآخرة ويعذر نفسه محتجا بالقدر يكون متناقضا ومتبعا لهواه
 
وبعد؛ فقول القائل: لو وفقني الله لكنت صالحا هو كقول المشركين (لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا)، وكقول القاتل: لو شاء الله ما قتلتُه، ومثل ذلك من الأقوال التي لا يقصد بها الإيمان بالقدر، بل يقصد بها معارضة الشرع، والاعتذار للنفس
 
ولذا شرع للعبد أن يسأل ربه الهدى، ومن ذلك دعاء الفاتحة (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) نسأله تعالى أن يمن علينا بهداه، وأن يوفقنا لأسباب رضاه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم

^^^^^^^^^^^^^^
 سماحة الشيخ العلامة عبد الرحمن البراك حفظه الله

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر